الآيات 220-221 من سورة البقرة

تفسير سورة البقرة 220-221

{فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)}

{في الدنيا والآخرة} متعلقة بما قبلها، وتقدم تفسيرها

قال قتادة: لما نزلت: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} [الأنعام: 152] اعتزل الناس اليتامى فلم يخالطوهم في مأكول ولا مشروب ولا مال؛ فشق ذلك على الناس، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم} [البقرة: 220]. انتهى

فلما أنزل الله تلك الآية وغيرها في اليتامى؛ عزل الصحابة رضي الله عنهم طعام اليتامى عن طعامهم ونفقاتهم عن نفقاتهم، فكان يعزل طعام اليتيم له فإما أن يأكله أو يفسد، فاشتد ذلك عليهم، فأنزل الله تبارك وتعالى إباحة خلط طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم وأموالهم بأموالهم في النفقات

{اليتامى} جمع يتيم؛ وهو الذي مات أبوه ولم يبلغ، واليتيم بما أن أباه قد توفي يحتاج إلى عناية، ورعاية أكثر؛ ولهذا جاء في القرآن الكريم الوصاية به كثيراً.

{قل إصلاح لهم خير} أي: الإصلاح لأموالهم من غير أجرة ولا أخذ عوض خير لكم وأعظم أجراً، وخير لهم في أموالهم في دنياهم، لما في ذلك من توفر أموالهم عليهم {وإن تخالطوهم فإخوانكم} أي وإن خلطتم طعامكم بطعامهم وشرابكم بشرابهم فلا بأس عليكم، فهم إخوانكم، والإخوان يعين بعضهم بعضا ويصيب بعضهم من أموال بعض على وجه الإصلاح والرضا.

{والله يعلم المفسد} لأموالهم {من المصلح} لها، يعني: يعلم الله الذي يقصد بالمخالطة الخيانة وإفساد مال اليتيم وأكله بغير حق، ويعلم من الذي يقصد الإصلاح لليتيم {ولو شاء الله لَأَعْنَتَكُمْ} أي ولو شاء الله لضيق عليكم وشق عليكم، ولكنه وسع عليكم، وخفف عنكم، وأباح لكم مخالطتهم بالتي هي أحسن {إن الله عزيز حكيم} «العزيز»، و «الحكيم» اسمان من أسماء الله تقدم معناهما، وأنواعهما.

{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)}

{ولا تنكحوا المشركات} أي لا تتزوجوا بالمشركات حتى يؤمنَّ؛ و {المشركات} جمع مشركة؛ والمشركة، أو المشرك، هو من جعل لله شريكاً فيما يختص به سواء كان ذلك في الربوبية، أو في الألوهية، أو في الأسماء، والصفات؛ فمن اتخذ إلهاً يعبده فهو مشرك، ولو آمن بأن الله خالق للكون؛ ومن اعتقد أن مع الله خالقاً للكون، أو منفرداً بشيء في الكون، أو معيناً لله تعالى في خلق شيء من الكون فهو مشرك.

{حتى يؤمن} أي يدخلن في دين الله؛ ودخولهن في دين الله يلزم منه التوحيد.

قال ابن كثير: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصناف النساء، إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات، وحرم كل ذات دين غير الإسلام.

ونقل ابن جرير الطبري الإجماع على إباحة نكاح الكتابيات؛ لقوله تعالى: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} والكتابيات هن اليهوديات والنصرانيات، وإن كن مشركات إلا أن الله أباح نكاحَهُن، وسيأتي القول فيهن. إن شاء الله

{ولأمة مؤمنة} أي امرأة مؤمنة {خير من مشركة ولو أعجبتكم} أي سرتكم، ونالت إعجابكم في جمالها، ومالها، وغير ذلك من دواعي الإعجاب.

{ولا تُنكِحوا المشركين} أي لا تزوجوا الرجال المشركين النساء المؤمنات، وهذا إجماع لا يجوز للمسلمة أن تنكح المشرك سواء كان وثنياً أو كتابياً {حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم} نفس المعنى المتقدم

{أولئك يدعون إلى النار} هذا بيان لسبب منع نكاح المشركين، أي لأنهم يدعون الناس إلى النار أي: إلى الأعمال الموجبة للنار، من الكفر بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

{والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه} أي يدعو الناس إلى الجنة بالحث على الأعمال الصالحات؛ ومغفرة الذنوب بالحث على التوبة، والاستغفار؛ و {بإذنه} أي إذن الله؛ والإذن على قسمين: إذن كوني، وهو ما يتعلق بالمخلوقات، والتقديرات؛ وإذن شرعي، وهو ما يتعلق بالتشريعات، والظاهر أن الإذن في هذه الآية - والله أعلم - يشمل القسمين.

{ويبين آياته للناس} أي يظهرها، و «آياته» قالوا: حججه وأدلته، وقالوا أوامره ونواهيه {لعلهم يتذكرون} أي يتعظون.