مقدمات مهمة لطلاب العلوم الشرعية

مقدمات مهمة لطلاب العلوم الشرعية


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله، أمّا بعد:

[ فضل العلم ]
فتعلمون - بارك الله فيكم - ما للعلم من فضل ومكانة عظيمة، ولو لم يكن له شرف ومكانة إلّا أنّه يقرّب العبد من ربّه لكفى.
من فضائله التي ذُكِرَت في كتاب الله، قول الله - تبارك وتعالى - { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } [المجادلة/11].

[ الإخلاص شرط في قبول العمل ]

فصاحب العلم مرفوع عند الله تبارك وتعالى، بشرط أن يُخْلِص علمه لله تبارك وتعالى، فأعمال الشّرع كلّها إذا لم تكن خالصة لله تبارك وتعالى لا تُقْبَل ولا تنفع صاحبها؛ لذلك أوّل أمر يجب أن يعتني به طالب العلم هو الإخلاص، إخلاص العمل لله - تبارك وتعالى - { ألا لله الدين الخالص } [الزمر/3]، { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } [ البينة/5]؛ فالعمل إذا لم يكن خالصاً لله لا يُقْبل؛ فإذاً طالب العلم أوّل أمر ينبغي أن يوطّن نفسه عليه هو أن يكون قصده في الطّلب وجه الله - تبارك وتعالى - وحده، أن ينوي بطلب العلم رفع الجهل عن نفسه، ورفع الجهل عن النّاس، وأن يدعو النّاس إلى دين الله -تبارك وتعالى - كما أمر سبحانه وتعالى؛ فإذا كانت هذه نيّـته، أُجِر على العلم الذي يَطلب، وكانت له في كلّ خطوة يخطوها أجراً عند الله تبارك وتعالى.

[ سمات الشيخ الذي يدرس عنده ]

ثمّ بعد ذلك ينبغي على طالب العلم أن يحرص على انتقاء الشّيخ الذي يثق بعلمه ودينه، فالشّيخ الذي يعطي العلم ينبغي أن يتحلّى بأمرين:
الأمر الأوّل : تقوى الله - سبحانه وتعالى -؛ فالله سبحانه وتعالى قال في الخبر: {إن جاءكم فاسق بخبر فتبينوا}، فلا يُقبل خبر الفاسق من غير بيّنة، ويُفْهم منه أن العدل خبره يُقْبل من غير بيّنة، إذا أخبر بشيء وكان عدلاً، قُبِل خبره، والخبر عن الله - تبارك وتعالى - أعظم من الأخبار العاديّة؛ لذلك يجب أن يتحلّى العالم أو الشّيخ الذي يعطي العلم بالدّين والتّقوى.
الأمر الثّاني: أن يكون موثوقاً بعلمه، أي أن يكون صاحب علم؛ فيعطي العلم الصّحيح، وهذا إمّا أن يدركه الشّخص بنفسه، أو أن يعرفه بــمَنْ عَرف هذا العالم وزكّاه من أهل العلم.
وينبغي أن يكون بين الطّالب وبين الشّيخ ثقة، فإذا لم يكن الطّالب واثقاً بشيخه لن يستفيد منه، إذا وُجِدت الثّقة استفاد؛ أمّا إذا لم يثق ستبقى المعلومات عنده مزعزعة، لن يثق بها، فلابدّ أن تكون هناك ثقة بالشّيخ.
ولابدّ أن يكون الشّيخ أيضاً بعيداً عن البدع و المحدثات، فالمبتدع لا يؤخذ عنه العلم، لماذا؟ لأنّه سيغمسك في بدعته، وبدل أن ينفعك سيضرّك.

[ الحرص على آداب المجلس ]
الأمر الثّالث الذي ينبغي أن يتحلّى به طالب العلم: آداب مجلس العلم، أن يجلس في المجلس جِلْسة المتأدّب، وأن يكون متنبّهاً، متفطّناً لما يقول الشّيخ، ولا يكون نائماً، أو ساهياً يفكّر في أمر آخر، أو شاغلاً نفسه بجهاز في يده أو غيره، كي يستفيد الفائدة المرجوّة من طلبه.
وكذلك ينبغي أن يكون كتابه بيده، فعندما يقرأ الشّيخ يستعين بنظره في الكتاب على التّدقيق في العبارة؛ فالكتاب النّظر فيه يعينك على فهم العبارة.

[ الحث على حفظ العلم و حسن فهمه ]
وينبغي أيضاً أن يعتني بالمراجعة والمدارسة، الشّيخ وظيفته في الدّرس أن يفكّ لك عبارات الكتاب، وأن يبيّن لك المعنى المراد، وليس وظيفته أن يضع العلم في ذهنك، فعليك أنتَ بقيّة المشوار، والأفضل أن يدرس الطّالب أو يقرأ المادّة التي ستعطى ثمّ يأتي إلى الدّرس، ويسمع الشّرح ثمّ يرجع إلى البيت ويراجع ويحفظ، إذا أراد أن يمشي بطريقة صحيحة.
والحفظ أخو الفهم، العلم جزءان : جزءٌ حفظ، وجزءٌ فهم، إذا حفظت ولم تفهم لن ينفعك، وإذا فهمت ولم تحفظ ستبقى غير متمكّن؛ فلابدّ أن تجمع ما بين الحفظ والفهم.
أنت مخيّر في المواد التي سندرّسها في هذه الدّورة بين أن تحفظ المتن كاملاً، أو أن تحفظ التّعريفات والتّقعيدات والتّقسيمات التي سنذكرها في درسنا، والأفضل لك إذا أردت الانتفاع الكامل أن تحفظ المتن كاملاً، سواء الورقات، أو الآجرّومية، أو البيقونيّة.

[ علوم الآلة و الغاية من دراستها]
هذه المواد التي انتقيناها تسمّى عند العلماء علوم الآلة، هذه وسائل، العلوم هذه التي سندرسها هي وسائل، تنتقل بك أو توصلك إلى الغاية، ما هي الغاية؟ فهم كتاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهماً صحيحاً، مع القدرة على استنباط الأحكام الشّرعية منهما، هذه هي الغاية التي نريد جميعاً أن نصل إليها، فنحن في دوراتنا هذه والآتية - إن شاء الله - نحرص على أن يتمكّن طلبة العلم من علوم الآلة بحيث تكون عندهم القدرة على فهم الكتاب والسنّة، والقدرة على استنباط الأحكام الشّرعية من الكتاب والسنّة. هذا هو مرادنا من تدريس علوم الآلة بالذّات، علم النّحو باللّغة.علم مصطلح الحديث ، علم أصول الفقه، قواعد، أساسات لهذا العلم.

[ الوصية بالتدرج في الطلب ]
ولابدّ أن يكون العلم بالتّدريج، لا تستعجل، إيّاك والعجلة! العجلة تضرّ ولا تنفع لطالب العلم، لابدّ أن ننتقل خطوة خطوة، لابدّ أن نصعد درجة درجة.
صعود العلم بالدّرجات يكون بأمرين:
الأمر الأوّل: بانتقاء الكتاب الذي تَدْرسه في المادّة.
الأمر الثّاني: وهذا راجع للشّيخ الذي يدرّس، أن يكون أسلوب تدريسه متناسباً مع مادّة الكتاب، البعض في أثناء تدريسه لا يحسن اختيار الكتاب، فيأتي على المستوى العالي ويترك المستوى الأدنى، فيحصل تشويش عند الطّالب ولا يتمكّن من البناء الصّحيح. أو ينتقي الكتاب المناسب ولكنّه يشرحه على مستوى عالٍ فيضرّ الطالب أيضاً، ولا يتمكّن الطّالب من فهم الكتاب بالشّكل الصّحيح الذي يناسب مستواه.
فإذاً، لابدّ أن نصعد مع بعضنا في هذا العلم درجة درجة، ولا تستعجل "مَنْ نال العلم جملة ذهب عنه جملة" كما قال السّلف رضي الله عنهم.

[ الحث على الجد و الاجتهاد في الطلب ]
ولابدّ من النّشاط والاجتهاد في الطّلب، العلم لا يُنال براحة الجسد كما قال يحيى بن أبي كثير - رحمه الله - وهو أحد أئمّة السّلف، العلم لا ينال براحة الجسد، إذا أردت أن تتنعّم فلا يناسبك أن تطلب العلم، أردت أن تطلب العلم إذاً لا بدّ من الصّبر، ومن التّأنّي، الصّبر على الفقر، الصّبر على قلّة ذات اليد، الصّبر على الجهد والمشقّة في الحفظ والمذاكرة، لابدّ من هذا، نيل الدّرجات العلا ليس بالسّهل، من سنّة الله في خلقه أنّ الأشياء العظيمة تحتاج إلى تعب وجهد، فلا بدّ أن نصبر مع بعضنا ونرتقي شيئاً فشيئاً إلى أن نكمل هذا المشوار، وغايتنا جميعاً هو معرفة دين الله تبارك وتعالى الذي أنزله على محمّد صلى الله عليه وسلّم وهو موجود في الكتاب والسنّة، فغايتنا معرفة هذا الدّين معرفة صحيحة ودعوة النّاس إليه في زمن كثرت فيه الملهيات، كثرت فيه المرغِّبات في الدّنيا، وزهد الكثير من النّاس في هذا العلم، العلم الشّرعي، العلم الأخروي؛ لأنّ منفعته أخروية، والنّاس يريدون شيئاً عاجلاً.

[ أقسام العلم الشرعي ]
طلب العلم مَنْ مكنّه الله - تبارك وتعالى - منه صار فريضة عليه، طلب العلم فريضة على كلّ مسلم، لكنّ العلم علمان:
علمٌ واجبٌ عيني: أي كلّ مسلم يجب عليه أن يتعلّمه، وهذا الذي يسمّى بالواجب العيني، أيُّ عمل من الأعمال الشّرعيّة الدّينية أمرك الله -تبارك وتعالى - بها، أمر بها المسلمين عامّة، وجب على كلّ مسلم أن يتعلّم أحكامها، ومنه: الصّلاة، والصّيام، والزّكاة - مَنْ كان عنده مال ويحتاج أن يزكّي- ، الحجّ - لمن وجب عليه الحجّ- ، وهكذا.

ومن العلم ما هو فرض كفاية: إذا قام به البعض سقط عن الباقين، إذا قام به بعض الأمّة سقط عن البقيّة، ليس مطلوباً من كلّ واحد من الأمّة، لا، هو مطلوب من أمّة محمّد فإذا قام به بعضهم سقط عن الباقين؛ وإذا لم يقم به أحدٌ منهم بقي الواجب معلّقاً بذمّتهم جميعاً، أو قام به بعضٌ لا يكفون كذلك بقي الواجب معلّقاً بهم جميعاً حتّى يقوم به مَنْ تحصُل به الكفاية، من هذا العلم: علم الشّريعة بالكامل، هذا واجب كفائي، يجب على الأمّة أن يوجد فيها علماء يعلّمون النّاس أمر دينهم، إذا أراد شخص أن يسأل عن فتوى شرعيّة، أين سيجدها؟ إذا لم يكن في البلاد عالم ماذا سيصنع؟ حتّى إنّ بعض العلماء أفتى بحرمة السُّكنى في بلد لا عالم فيها، لماذا؟ لأنّك أنتَ خُلِقْت في هذه الدّنيا لعبادة الله وطاعته، والعبادة لا تكون إلّا بالعلم، لا يصحّ عبادة من غير علم، عبادة بجهل لا تصحّ؛ لأنّ العمل إذا لم يكن على ما شرعه الله لا يُقْبَل "مَنْ عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ" إذاً لا بدّ أن تعمل العمل على نفس ما ورد في شرع الله ، وكيف ستعرف ذلك؟ لا بدّ أن يكون هناك عالم في البلاد يعلّم النّاس أمر دينهم؛ فإذا لم يكن في بلادك من يعلّمك أمر دينك وجب عليك أن تبحث عن مكان فيه من يعلّمك أمر دينك.

هذه مقدّمة بين يديّ الكتب التي نريد أن ندرّسها، يحتاجها كلّ طالب للعلم.

تنبيه:
المقال مستل من الدرس الأول من شرح المقدمة الآجرومية للشيخ علي الرملي حفظه الله، و قد قمت بتنسيقه و وضع العناوين وجزى الله خيرا من ساهم في إخراجه من المسموع إلى المكتوب
. [ أبو زيد رياض الجزائري]