تفريغ الدرس الخامس من شرح كتاب الصيام من بلوغ المرام الجزء الأول

شرح كتاب الصيام من بلوغ المرام

(الدرس الخامس)

للشيخ

أبي الحسن علي الرملي

- حفظه الله -

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد ؛

فهذا المجلس الخامس من مجالس شرح كتاب الصيام من بلوغ المرام

قال المؤلف رحمه الله : وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه " . متفق عليه .

وللحاكم ( أي رواية الحاكم ) " من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة ".

قال الحافظ : وهو صحيح .

أما عن حال الحديث ؛ فالرواية الأولى صحيحة ؛ لأنها في الصحيحين .

وأما الرواية الثانية - وهي رواية الحاكم - فهي من رواية محمد بن عمر بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة به .

ومحمد بن عمر ضعيف لايُحتج به على الصحيح من أقوال أهل العلم وخصوصاً روايته عن أبي سلمة ، قال يحيى بن معين : ما زال الناس يتقون حديثه ، قيل له : وما علة ذلك ؟ قال : كان يحدث مرة عن أبي سلمة بالشيء من روايته ( أي من رواية أبي سلمة ) ثم يحدث به مرة أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة .

وهذا من قِبل سوء حفظه ، وهو جرح مفسر واضح فمحمد بن عمر هذا لا يُعتمد عليه فروايته هذه ضعيفة .

والصحيح في هذا الحديث هو ما جاء في الصحيحين .

وأما فقه الحديث ؛ فقال الترمذي رحمه الله بعد أن أخرج هذا الحديث : والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم ، وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق ، وقال مالك : إذا أكل في رمضان ناسياً فعليه القضاء .

فالإمام مالك خالف في هذه المسألة ، فقال : إذا أكل في رمضان ناسياً فعليه القضاء ، قال الترمذي رحمه الله : والقول الأول أصح . انتهى

لماذا رجح الترمذي رحمه الله القول الأول ؟

لدلالة هذا الحديث الذي معنا على أن من أكل أو شرب وهو صائم ناسياً فصيامه صحيح ويتم صيامه وليس عليه لا قضاء ولا كفارة .

وأما مالك ومن تبعه فاعتمدوا في هذا على القياس ، والقياس لا يُعتمد عليه إذا وُجِد النص فالعمدة على النص ، والقياس لا يعارض النص ، النص أقوى فبما أن عندنا نص في هذه المسألة إذاً ينتهي الأمر .

هذا بالنسبة للأكل والشرب .

وزاد بعض العلماء على ذلك الجماع أيضاً فقالوا كذلك من جامع وهو ناسٍ فيُتم صيامه وما عليه شيء ، فالأكل والشرب والجماع لا يبطل الصيام إذا فعله الصائم وهو ناسِ .

قال المؤلف رحمه الله : وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" من ذرعه القيء فلا قضاء عليه " ومن استقاء فعليه القضاء " رواه الخمسة وأعله أحمد وقواه الدارقطني

رواه الخمسة ؛ أي أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة .

وذرعه ؛ أي غلبه وسبقه .

القيء : خروج ما في الجوف .

فقوله : من ذرعه القيء أي من خرج ما في جوفه من غير إرادته .

واستقاء ؛ أي تكلف القيء وأخرجه بإرادته .

هذا معنى الكلمات الواردة في هذا الحديث.

فقوله : من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ؛ أي من غلبه القيء وتقيأ وأخرج ما في بطنه من غير إرادته وغلبه القيء فلا قضاء عليه وصيامه صحيح.

وقوله : " ومن استقاء فعليه القضاء "أي من أخرج ما في جوفه بإرادته وهو صائم فقد أفطر وعليه القضاء ، هذا ما دل عليه هذا الحديث.

ولكن الحديث ضعيف ذكره شيخنا الوادعي رحمه الله في كتابه أحاديث معلة ضاهرها الصحة ، وذكر هناك أن البخاري قال فيه : لا أُراه محفوظاً .

وقال أحمد بن حنبل : ليس من ذا شيء ، أي يريد أن الحديث غير محفوظ .

وقال الدارمي : زعم أهل البصرة أن هشاماً وَهِم فيه .

فهذا الحديث ضعيف كما ترى ، ولكن من الناحية الفقهية ما دل عليه صحيح بأدلة أخرى منها الإجماع ، نقل ابن المنذر رحمه الله في كتابه الإجماع أنه لا شيء على الصائم إذا ذرعه القيء أي إذا غلبه القيء وخرج ما في بطنه من غير إرادته فلا شيء عليه وصيامه صحيح ، وذكر قولين للحسن البصري أي أن الحسن البصري في قول عنه أنه خالف وقال بأنه يفطر ، وفي قول آخر وافق بقية الأمة .

وقال ابن المنذر رحمه الله : وأجمعوا على إبطال صوم من استقاء عمداً ففي المسألة إجماع ، فالعمل بالإجماع لا بالحديث ، فالحديث كما ذكرنا ضعيف لا يصح ولكن الإجماع منعقد على صحة معناه .

وخرّج شيخنا رحمه الله الإمام الوادعي في كتابه الجامع الصحيح عن أبي الدرداء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاء فأفطر ، هذا الحديث أخرجه أبو داود وغيره وذكره شيخنا رحمه الله في كتابه الجامع الصحيح فالحديث صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاء فأفطر .

إذاً خلاصة الموضوع أن من غلبه القيء وخرج ما في جوفه من غير إرادته فصيامه صحيح ، وأما من تعمد إخراج ما في جوفه وأراد ذلك وفعل ذلك فصيامه غير صحيح ويجب عليه أن يقضي .

ثم قال رحمه الله وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان ، فصام حتى بلغ كُراع الغميم ( الغميم : وادٍ ، والكراع : جبل أسود متصل بالوادي وهو موضع بين مكة والمدينة .

فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح إلى مكة وهو في الطريق ( فصام الناس ثم دعا بقدح من ماء فرفعه ) أي رفعه كي يراه الناس ) حتى نظر الناس إليه فشرب ، ثم قيل له بعد ذلك : إن بعض الناس قد صام ) أي لم يقتدوا بك ( فقال : " أولئك العصاة أولئك العصاة " .

وفي لفظ " فقيل له إن الناس قد شق عليهم الصيام ، وإنما ينتظرون فيما فعلت ، فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب ") .

رواه مسلم ثم قال الحافظ ابن حجر:

وعن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله! إني أجد فيّ قوة على الصيام في السفر ، فهل عليّ جناح ؟

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه " . أي فلا إثم عليه رواه مسلم .

وأصله متفق عليه من حديث عائشة أن حمزة بن عمرو سأل ....يتبع