تفريغ الشريط الثالث من شرح كتاب الصيام من بلوغ المرام الجزء الثاني

الحديث التاسع : قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : وعن سهل ابن سعد رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر " متفق عليه .

وللترمذي ( أي في رواية للترمذي أو في رواية الترمذي ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : قال الله عز وجل : أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً " وهذا الحديث العاشر ، هذان الحديثان ساقهما الحافظ ابن حجر رحمه الله كي يدلنا على سُنّيةِ تعجيل الفطر ففي هذين الحديثين أن تعجيل الفطر سنة مستحبة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :" لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر " الحديث الأول حديث سهل بن سعد متفق عليه .

الحديث الثاني حديث الترمذي حديث أبي هريرة الذي قال الله عز وجل فيه " أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا " حديث قدسي لكن ما حاله ؟ أخرجه الترمذي من حديث قرة ابن عبد الرحمن المعاشري عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقرة هذا الذي يرويه عن الزهري ضعيف لسوء حفظه، ومع ضعفه أسقطه بعضهم من الإسناد أصلاً ؛ لكن الصحيح أنه مثبت في الإسناد، وهو ضعيف لسوء حفظه .

فعلّة الحديث هي ضعف قرة بن عبد الرحمن هذا الذي يرويه عن الزهري .

ووجدنا له متابعاً عند الطبراني ، فرواه الطبراني عن مسلمة ابن علي عن محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري .

ولكن مسلمة بن علي هذا متروك الحديث ، أي أنه شديد الضعف، لا يصلح في المتابعات .

فالحديث ضعيف ، بما أن الشخص الذي تابع الضعيف متروك أي شديد الضعف فلا ينجبر الإسناد الأول به فيبقى الحديث على ضعفه فالحديث ضعيف .

ضعفه ابن القطان الفاسي والعلامة الألباني رحمهم الله .

لكن حديث سهل بن سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر " يكفينا ، وهو حديث متفق عليه.

ويدل الحديث على استحباب تعجيل الفطر بعد غروب الشمس .

قال الترمذي رحمه الله بعد أن أخرج الحديث : وهو الذي اختاره أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم استحبوا تعجيل الفطر ، وباستحباب تعجيل الفطر يقول الشافعي وأحمد وإسحاق .

إسحاق هو ابن راهويه .

وأحمدهو الإمام ابن حنبل .

والشافعي الإمام محمد بن إدريس .

وقوله في الحديث " لا يزال الناس بخير " أي بخير في دينهم لتمسكهم بالسنة ما عجلوا الفطر ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: أي مدة فعلهم ذلك ، امتثالاً للسنة ، واقفين عند حدها، غير متنطعين بعقولهم ما يغير قواعدهم .

أي أنهم يتمسكون بالسنة ويعملون بالسنة لا يعملون بما دلتهم عليه عقولهم وآراؤهم .

واتفق العلماء على أن محل ذلك إذا تحقق غروب الشمس .

يعني لا يعجل الفطر قبل أن تغرب الشمس ، لا ، المقصود من هذا الحديث إذا تحقق من غروب الشمس يبادر ويعجل إلى الفطر .

وفي هذا الحديث رد على الشيعة الذين يؤخرون الفطر إلى ظهور النجوم .

قال الحافظ : وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" تسحروا فإن في السَّحور بركة " متفق عليه ، السَّحور : بفتح السين ( السَّحور) ما يُتسحر به وقت السَّحر من طعام أو شراب .

وقت السحر الذي هو آخر الليل قبيل الصبح .

الطعام الذي يأكله الشخص في ذاك الوقت يسمى سَحوراً .

والبركة كثرة الخير ، أي أن الله سبحانه وتعالى يجعل خيراً كثيراً في الأكل الذي يؤكل في ذاك الوقت.

والبركة تحصل بأشياء كثيرة .

منها : اتباع السنة . ومنها : التقوي بالسحور على العبادة والزيادة في النشاط وغير ذلك .

وهل الأمر هنا بالتسحر للوجوب أم للاستحباب ؟

الأمر هاهنا للاستحباب وليس للوجوب ، من المقرر في أصول الفقه أن الأصل في الأمر لماذا ؟ للوجوب وهذا صحيح ، ما الذي صرف الأمر هنا عن الوجوب إلى الاستحباب ؟ استدل الإمام البخاري رحمه الله على عدم الوجوب بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه واصلوا ولم يُذكر أنهم تسحروا ، جاء في الحديث الذي سيأتي إن شاء الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه واصلوا في الصيام.

أي صاموا يوماً وبعده يوم آخر من غير أن يفطروا ، هذا هو الوصال فكونهم واصلوا إذاً ماذا ؟ لم يتسحروا فكونهم تركوا السحور فمعنى ذلك أن السحور ليس بواجب.

وهذا الاستدلال صحيح ، وهو في محله .

ونقل ابن المنذر الإجماع على نُدبية السحور ، أي على استحبابه .

وقال ابن قدامة في المغني : ولا نعلم فيه خلافاً ، أي على استحباب السحور وعدم وجوبه .

تقول السَّحور بفتح السين لِما يؤكل في وقت السحر .

والسُّحور بضم السين تطلقه على الفعل ( على فعلك أنت ) ، هذا الفرق بين السَّحور والسُّحور.

ويحصل السحور بأقل ما يتناوله المرء من مأكل أو مشرب ؛ إذ لم يشترط في كميته أو قدره أي شيء.

ووقته ( أي وقت السّحور ) آخر الليل ، وذلك لأنه مشتق من السَّحر ، والسَّحَر هو آخر الليل ، وجمعه أسحار ، قال الله تعالى (( وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ )) .

ويبقى وقته إلى طلوع الفجر ، وقت الإمساك إلى طلوع الفجر فإذا طلع الفجر انتهى وقت السحور .

ويستحب تأخيره لماذا ؟ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يؤخره كما جاء في الصحيحين عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : تسحرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قام إلى الصلاة ، قلت : ( أي القائل أنس الذي يروي عن زيد بن ثابت ) كم كان بين الآذان والسحور ؟ قال : قدر خمسين آية .

قال الشيخ ابن باز رحمه الله خمسون آية بتلاوة متأنية مرتلة ؛ نحو خمس أو سبع دقائق إلى عشر دقائق بتوقيتنا الزمني اليوم .

من خمس إلى عشر دقائق كان بين سحور النبي - صلى الله عليه وسلم – وصلاته ، إذاً يُستحب تأخير السحور .

وعن سلمان بن عامر الظبي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر ، فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور " رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم .

الحديث أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة هؤلاء الخمسة من حديث حفصة بنت سيرين عن الرباب بنت صُلَيع عن عمها سلمان به .

والرباب هذه مجهولة الحال ؛ فالحديث ضعيف .

وقد ورد بنحوه من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أنس بن مالك .

في حديث سليمان بن عامر أمرٌ من النبي - صلى الله عليه وسلم - " إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر ، فإن لم يجد فليفطر على ماء " .

وهذا الحديث كما ذكرنا ضعيف في سنده الرباب بنت صليع وهي مجهولة الحال .

وورد من حديث أنس من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفطر على رطبات قبل أن يصلي ، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات ، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء " أخرجه أبو داوود وغيره .

نسمع كلام النقاد فيه ، قال فيه أبو حاتم الرازي وأبو زرعة الرازي : لم يرفع إلا من حديث عبد الرزاق ، ولا ندري من أين جاء به .

يعني من أين جاء به مرفوعاً، ما يدلك على أنهم قد وقفوا عليه غير مرفوع .

وقال النسائي رحمه الله : هو خطأ ، والصواب حديث سلمان .

أي أن بعض الرواة وهم فيه ، فغير إسناده وغير لفظه .

قلت : الحديث يرويه عبد الرزاق الصنعاني ، عن جعفر بن سليمان الضبعي ، عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك .

وجعفر بن سليمان هذا كان يتشيع ، وهو وغن كان صدوقا إلا أن له مناكير ، وتكلم فيه ، وخاصة في روايته عن ثابت ، وهذه منها .

وبما أن علماء العلل انتقدوا حديثه هذا ، وهو من روايته عن ثابت التي هي في أصلها منتقدة ؛ فيكون هذا الحديث من مناكيره التي لا تقبل ، فالحديث ضعيف .

واستطرادا أذكر لكم هذه القصة .

هذه القصة يرويها ابن معين .

قال يحيى بن معين رحمه الله : سمعت من عبد الرزاق كلاما يوما ، فاستدللت به على ما ذكر عنه من المذهب – أي التشيع - ، فقلت له : إن أستاذيك الذين أخذت عنهم ثقات ، كلهم أصحاب سنة ؛ معمر ومالك بن أنس وابن جريج وسفيان والأوزاعي .

فعمن أخذت هذا المذهب ؟

فقال : قدم علينا جعفر بن سليمان الضبعي فرأيته فاضلا حسن الهدي فأخذت هذا عنه .

أعجب كل العجب من شخص يقول لك : اترك بدعة المبتدع ، وخذ منه الشيء الآخر .

انظر إلى هذا ، أعجب بحسن هديه فاخذ عنه .

أمر معروف التلميذ يتأثر بشيخه ، يعجب بهديه وسمته وأخلاقه .

فإذا رأى منه ذلك مال إليه ، فصدقه وأخذ عنه ، وترك ما يعرف لاغتراره به .

فيقول رأيت فيه صلاحا وخيرا فكيف يكون ضالا ؟ !!

هذا القول خطير جدا ، وخطأ لا يجوز أن يعول عليه ، المبتدع مبتدع ، لا يأخذ عنه شيء .

عندنا علماء وطلبة علم من أهل السنة نأخذ عنهم ونكتفي بهم ، ونحفظ ديننا . والله أعلم

قامت بتفريغه إحدى الأخوات الفاضلات جزاها الله خيرا