موقفنا من الحكام المعاصرين

موقفنا من الحكام والخروج عليهم والطعن فيهم :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد ...
فمعنا اليوم السؤال الثامن والثلاثون من أسئلة الأجوبة المفيدة التي أجاب عنها فضيلة الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله.
يقول السائل : ما رأي فضيلتكم في بعض الشباب الذين يتكلمون في مجالسهم عن ولاة الأمور في هذه البلاد بالسبِّ والطعن فيهم ؟
ثم أجاب الشيخ جزاه الله خيراً بما فتح الله عليه .
أقول الآن : عقيدة أهل السنة والجماعة في الحكام ؛ الحكام قسمان :
قسم منهم كافر ؛ هذا الكلام ليس فيه ، فهذا لا حُرْمة له ، لكن تقدَّر في حكمه المصالح والمفاسد ؛ فإذا كانت مفسدة الخروج عليه أعظم من السكوت عنه ؛ فالواجب هو السكوت وعدم الخروج ؛ لأن ذلك يؤدي إلى مفسدة كبيرة ، وهذا الحال الموجود اليوم في بعض البلاد الإسلامية التي يحكمها حكام كفار ؛ كسوريا مثلاً أو كالعراق وما شابه .
الآن لو حصل وخرج المسلمون على هؤلاء الحكام ؛ ماذا ستكون النتيجة ؟ في غالب الظن النتيجة هي التي ترونها الآن في سوريا ؛ سيتسلط جميع أنواع الكفار على المسلمين ، وسيحاول كل منهم أن يقطع قطعة له من هذه القصعة ويكون له نصيب فيها ، وسيتسلط هذا الحاكم الكافر على رقاب المسلمين ، ولن يترك شيئاً مما يؤذيهم في دينهم ولا في دنياهم إلا ويفعله معهم ، ثم هم سيتفرقون وسيقتل بعضهم بعضاً ويحارب بعضهم بعضاً ، ولن يجتمعوا إلا أن يشاء الله أمراً .
هذا الحاصل كله الآن الموجود الآن في سوريا وفي العراق ، وهي النتيجة التي كان يراها علماء السنة وتحدثوا عنها ، وللشيخ ابن عثيمين رحمه الله كلام صريح في ذلك ؛ حتى لو كان الحاكم كافراً لا قدرة لكم اليوم على مجابهته ؛ لأن المجابهة ستؤدي في النهاية إلى تسلطه على رقاب المسلمين ، هذه النتيجة التي نراها أمامنا اليوم في سوريا ، هي التي كانت متوقَّعة عند علماء المسلمين والتي كانوا ينصُّون عليها ؛ إذا كان حاكم البلاد كافراً نعم يجوز الخروج عليه وتجوز إزالته ؛ بل يجب تغييره ؛ لكن هذا متى ؟ عند وجود القدرة ؛ لأن أحكام الشريعة كلها مبنية على القدرة على الاستطاعة { فاتقوا الله ما استطعتم } ، { لايكلف الله نفساً إلا وسعها } ، والخروج هذا إذا كانت مفسدته أعظم من مصلحته ؛ فهو خروج محرم ؛ لأنه سيؤدي إلى ما أدى إليه الحال الآن في سوريا ، فستكون أنت الذي خرجت متسبباً في هذا الفساد الواقع حالياً على رقاب المسلمين .
هذا هو التصرف الشرعي مع الحاكم الكافر .
أما إذا كان الحاكم مسلماً ؛ فما دام في دائرة الإسلام ؛ فله حقوق الإسلام ؛ من ذلك :
السمع والطاعة له في طاعة الله ؛ إن أمر بطاعة ؛ أطعناه ، وإن أمر بمعصية ؛ قلنا : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، فلا يُطاع في المعصية .
ولايُهيَّج الناس عليه ولايثوَّرون بسبِّه وشتمه على المنابر .
ولا يكون هو فاكهة المجالس بالسبِّ والشتم والطعن فيه وإثارة الناس عليه وأيغار القلوب ؛ هذا كله نتائجه عظيمة ، مفسدته كبيرة ؛ لذلك نهى عنه السلف الصالح رضي الله عنهم .
وأدلة الشرع في ذلك كثيرة قد قررها أهل السنة وذكرنا الكثير منها في شروحنا على كتب العقيدة ، وعندنا عشرات الأحاديث التي تدلُّ على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر المسلمين في طاعة الله وعدم جواز الخروج عليهم ؛ لما يؤدي ذلك من مفاسد عظيمة .
نحن لا نُقِرُّ حاكماً على ظلم يقع منه أو على فساد يحدث منه ، هو إذا حكم بغير شريعة الله ؛ فنحن نبغضه لله سبحانه وتعالى وفي الله ، ونبرأ إلى الله سبحانه وتعالى من طريقته ومن حكمه ومن قوانينه التي يضعها مخالفة لشرع ربنا تبارك وتعالى .
وندعوا له بالهداية ؛ لا يفسد في الأرض وندعوا له بطول العمر ، يعني كأنك تقول له : أطال الله في عمرك على الفساد الذي تصنعه ؛ هذا خطأ بارك الله فيكم ؛ وإنما ندعوا له بالهداية ؛ أسأل الله أن يهديك ؛ هدايته تعود بالنفع عليه وعلى الإسلام وعلى المسلمين ؛ فتدع له بالهداية ؛ هذا الوارد عن السلف رضي الله عنهم .
نعم نحن نتقيد بما ورد ؛ فلا إفراط ولا تفريط ، الآن الموجود في الساحة الناس في ذلك بين إفراط وتفريط ؛ إلا من رحم الله سبحانه وتعالى الذي يعتدل وهو كلام أهل السنة من كلام أهل الاعتدال بحمد الله .
أما كثير من الناس ؛ فإما إفراط على طريقة الخوارج من إثارة الفتن والغوغائية والمشاكل .
أو على الطرف الآخر في المقابل أنه يوالي الحاكم ويعينه ويدعمه على كل ظلم يقع منه ، مع أنه حاكم لايحكِّم شريعة الله ولايبالي بشرع الله إلا ما ندر ، والله المستعان .
فنحن - بارك الله فيكم - على درجة معتدلة متوسطة ؛ لا إفراط ولا تفريط ، لا نعينهم على ظلمهم ولا نقرُّهم عليه ولا نرضى به ونبرأ إلى الله منه ؛ وفي نفس الوقت لا نخرج عليهم ولا نثَوِّر الناس عليهم ؛ حتى لا تقع المفاسد التي حذّر الشارع من الخروج عليهم لأجلها .
فنحن عندما نقول للناس : لا تخرجوا على الحاكم الظالم ؛ لا رضى بظلمه كما يقول دعاة الفتنة ودعاة الفساد ؛ وإنما نحثُّ على ذلك طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم أولاً .
ثانياً : لحفظ المسلمين ؛ لحفظ دينهم وأموالهم وأعراضهم ؛ لأن الخروج على الحاكم يؤدي إلى مفاسد عريضة كان علماء السنة في السابق يقررونها في كتبهم وفي صوتياتهم من خلال ما تعلموه وما عرفوه من خبرتهم ؛ لكننا اليوم نراه بأعيننا أمامنا في العراق في سوريا في ليبيا في اليمن ؛ هذا كله صور واقعية لما كان يذكره العلماء ويحذرون منه في السابق ، الآن وقع على الأرض؛ لأن الناس اتبعوا أهواءهم وركضوا خلف دعاة الفتنة ؛ فنتج عن ذلك ما ترونه الآن من أهوال ومصائب .
وأعظم مصيبة تقع على هذه الأمة عندما يُهَمَّش دعاة الحق علماء السنة الناصحين لله ولرسوله وللمسلمين ولدين الإسلام ؛ يهمشون ويترك كلامهم ولا يُسمع لهم ويُصَدَّر الحزبيون ودعاة الضلالة وأصحاب المصالح والغششة ويُسمع كلامهم ؛ هذه النتائج التي ترونها في بلاد المسلمين نتيجة هذا الأمر الذي وقع .
والله المستعان ونسأل الله الهداية لنا ولكم أجمعين .