الثلاثاء 8 شوال 1445 هـ
16 ابريل 2024 م
جديد الموقع   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (124-129)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (117-123)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (111-116)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (107-110)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (97-106)   تفسير القرآن: ‌‌تفسير سورة التوبة 94-96   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-48، كتاب الوضوء، الحديث 170و171و172و173و174و175   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-47، كتاب الوضوء، الحديث 166و167و168و169   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-46، كتاب الوضوء، الحديث 162و163و164و165   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-45، كتاب الوضوء، الحديث 157و158و159و160و161      

القائد الدميث إلى شرح الباعث الحثيث الجزء السادس

القائد الدميث إلى شرح الباعث الحثيث الجزء السادس

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، وصل اللهم وسلم وبارك على أشرف الخلق سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

معنا اليوم (النوع الثاني : الحسن )

قال المؤلف رحمه الله :

( وهو في الاحتجاج به كالصحيح عند الجمهور )

الحسن لغة: هو ضد القبح ، وأما اصطلاحا فسيأتي تعريفه بإذن الله تعالى

أما المسألة الأولى التي بدأ بها المؤلف رحمه الله فهي مسألة الاحتجاج بالحديث الحسن ، هل يحتج بالحديث الحسن أم لا ؟ وهل حصل خلاف بين أهل العلم في الاحتجاج به أم لا؟

يقول المؤلف هنا رحمه الله وهو ( أي: الحسن ) في الاحتجاج به كالصحيح ، أي أنه محتج به عند الجمهور.

وقوله هنا عند الجمهور يقتضي أن فيه خلافا ، أي أن العلماء اختلفوا في الاحتجاج بالحديث الحسن ؛ فالجمهور يقبلونه وبعض أهل العلم يردونه ، لكن هل هذا الكلام على إطلاقه ؟

نقل الحافظ ابن حجر - رحمه الله - عن غير واحد من أهل العلم أنهم نقلوا الاتفاق على أن الحديث الحسن يُحتج به كما يحتج بالصحيح ،و المؤلف هنا قال : إن الاحتجاج بالحديث الحسن مذهب الجمهور ، والتوفيق بين القولين هو أن هناك فرقا بين الحديث الحسن لذاته والحديث الحسن لغيره .

الحسن لذاته اتفق العلماء على الاحتجاج به ، وأما الحسن لغيره فهو الذي وقع الاختلاف في الاحتجاج به والجمهور على أنه محتج به ، ومن جميل ما ذكره الشيخ الألباني رحمه الله ولا أعرف أحدا سبقه إلى هذا الاستدلال أنه استدل بقول الله تبارك وتعالى : {فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } أي في الشهادة ؛ فاستدل الشيخ - رحمه الله - على حجية الحسن لغيره بهذه الآية وهو دليل قوي ، أي كما قوت شهادة إحدى المرأتين شهادة الأخرى كذلك تقوي رواية الراوي الضعيف رواية ضعيف آخر وهو استدلال قوي وفي محله ، فالقول الصحيح هو قول الجمهور أن الحسن لغيره يحتج به أما الحسن لذاته فاتفقوا على الاحتجاج به كما ذكر الحافظ ابن حجر - رحمه الله في " النكت " .

هذا ما يتعلق بالاحتجاج بالحديث الحسن .

قال المؤلف رحمه الله :

(وهذا النوع ) أي : الحسن ( لما كان وسطاً بين الصحيح والضعيف في نظر الناظر، لا في نفس الأمر ؛ عسر التعبير عنه وضبطه على كثير من أهل هذه الصناعة ، وذلك لأنه أمر نسبي، شيء ينقدح عند الحافظ، ربما تقصر عبارته عنه) .

هنا أراد المؤلف رحمه الله- أن يبين السبب الذي لأجله اختلف العلماء في تعريف الحديث الحسن ، فقد حصل بينهم خلاف كبير ، وانتقادات واعتراضات على تعريف الحديث الحسن ، فلماذا حصل هذا بينهم ؟

يقول المؤلف - رحمه الله - : لأنه يقع في الوسط بين الصحيح والضعيف ، في نظر الناظر ، أي في نظر المحدث الذي يريد أن يحكم على الحديث بالحسن أو بالضعف، الحسن في درجة وسطى بين الصحيح والضعيف لا في حقيقة الأمر .

وهو أمر نسبي يختلف من شخص إلى آخر، فربما يحكم شخص على رجل بأنه صدوق لأن حفظه عنده لم يصل إلى درجة الكمال ، وآخر يقول هو ثقة ، ثالث يقول هو ضعيف لأنه لا يعتمد على حفظه ، فبناءًا على ذلك ؛ الذي قال بأن هذا الراوي ثقة يقول حديثه صحيح .

والذي قال بأنه صدوق يقول بأن حديثه حسن .

بينما الذي قال بأنه ضعيف يقول حديثه ضعيف .

فلذلك يحصل الخلاف بينهم أي أن الحسن ليس له ميزان منضبط نستطيع أن نزنه به ونحكم على الحديث بناءًا على هذا الميزان ، ليس هو كيل معين أو وزن معين نقول إن وصل إليه الراوي صار حديثه حسنا ، لا المسألة تختلف من نظر شخص إلى آخر .

هذا هو السبب الذي أختلف العلماء في تعريف الحديث الحسن لأجله .

قال المؤلف رحمه الله :

(وقد تجشم كثير منهم حده) تجشم : أي تكلف بمشقة ، و حَدّه : أي تعريفه ، فتكلف الكثير من العلماء أن يوجدوا تعريفا للحديث الحسن (فقال الخطابي) رحمه الله - صاحب كتاب " معالم السنن " ، شرح سنن أبي داود : ( هو ما عرف مخرجه واشتهر رجاله) هذا أول تعريف للحديث الحسن ، ماذا يعني بقوله ما عرف مخرجه ؟

فسرها العلماء بتفسيرين :

الأول: قالوا معناه ما عُرف من أين خرج الحديث ؛ شامي ، أي أنه خرج من الشام ، خرج من العراق ، خرج من اليمن وهكذا .

وهذا كيف يُعرف ؟

قالوا بأن يكون من رواية راو قد أشتهر برواية حديث أهل بلده كقتادة مثلا، قتادة أشتهر برواية حديث البصريين فإن جاء الحديث عن قتادة علمنا من أين خرج الحديث ؛ من البصرة .

وكأبي إسحاق السبيعي مثلا ، أبو إسحاق السبيعي اشتهر برواية حديث أهل الكوفة فإن جاء الحديث عن أبي إسحاق علمنا أن الحديث خرج من الكوفة ، وكذلك عطاء بن أبي رباح إن جاء الحديث عن عطاء بن أبي رباح علمنا أن الحديث خرج من مكة ؛ لأن حديث المكيين كثير منه يدور على عطاء فلما اشتهر عطاء برواية حديث المكيين .

هذا المعنى الأول الذي ذكره أهل العلم.

والمعنى الثاني لقوله ما عُرف مخرجه ؛ قالوا : أي ما عُرف رجاله ، قالوا لأن كل واحد من رجال الحديث خرج الحديث منه ودار عليه ، وهو كناية عن اتصال السند ،إذ ما فيه انقطاع وشبه انقطاع هذا لا يُعرف مخرج الحديث منه .

فإذاً معنى قول الخطابي ما عرف مخرجه أراد به ما أتصل إسناده .

واشتهر رجاله : اشتهر رجاله بماذا ؟ الكلام هنا لا يصلح ضابطا للمسألة ، لأن الكلام مطلق لم يقيده بشيء معين.

قال العلماء وإن كنا نعلم أنه أراد بقوله اشتهر رجاله أنهم اشتهروا بالعدالة والضبط المتوسط وليس الضبط التام ، لأن الضبط التام لصاحب الحديث الصحيح أما إذا كان الراوي ضبطه متوسطا وليس تاما يكون حديثه حسنا ، قالوا وإن كنا نعلم هذا إلا أن لفظه ينبغي أن يكون مقيدا .

(قال: وعليه مدار أكثر الحديث) يعني أن أكثر الأحاديث الموجودة هي من النوع الحسن (وهو الذي يقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء ) ، أي أكثر العلماء على الاحتجاج بالحديث الحسن . ويستعمله عامة الفقهاء ؛ أكثر الفقهاء يعملون به .

( قلت ) والكلام لابن كثير (: فإن كان المعرف هو قوله ) يعني إن كان تعريف الحديث الحسن عند الخطابي هو فقط قوله : (ما عرف مخرجه واشتهر رجاله ) دون تتمة الكلام (فالحديث الصحيح كذلك ) فالحديث الصحيح عُرف مخرجه واشتهر رجاله .

عرف مخرجه : أي أن إسناده متصل .

اشتهر رجاله : اشتهروا بماذا ؟ بالعدالة وبتمام الضبط إذ إنه لم يقيد ولم يقل اشتهر رجاله بالضبط المتوسط كي نخرج الصحيح ، لا ، بل قال : واشتهر رجاله وسكت . إذاً يدخل فيه صاحب الحديث الصحيح ، فلذلك أورد عليه ابن كثير هذا الكلام .

قال فالحديث الصحيح كذلك ( بل والضعيف) أيضا يدخل في هذا التعريف ؛ لأن من نوع الضعيف ما عرف مخرجه واشتهر رجاله ، اشتهروا بماذا ؟ اشتهروا إما بالعدالة وقلة الضبط ، أو بعدم العدالة أيضا ، المهم أنهم مشهورون ، فالشهرة ليست ضابطا دقيقا .

(وإن كان بقية الكلام من تمام الحد ) أي إن كان كلام الخطابي في التعريف قوله : ( هو ما عرف مخرجه واشتهر رجاله وعليه مدار أكثر الحديث وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء ) ؛ قال إن أراد بأن التعريف هو بهذا التمام ( فليس هذا الذي ذكره مسلماً له: أن أكثر الحديث من قبيل الحسان) لم يوافق ابن كثير رحمه الله على أن أكثر الأحاديث هي من قبيل نوع الحسن

قال : ( ولا هو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء) هذا انتقاد على التعريف ؛

وانتقاد آخر :

قالوا وهو أيضا لم يشترط عدم الشذوذ وعدم العلة ، وهما شرطان معتبران في الحسن .

هذا هو التعريف الأول وهذه بعض الانتقادات عليه .

( قال ابن الصلاح : وروينا عن الترمذي أنه يريد بالحسن: أن لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب) هذا تعريف ثان للحسن ، من يتهم بالكذب هو الذي عُرف بالكذب في كلام الناس ولم يثبت عنه أنه كذب في حديث النبي الله صلى الله عليه وسلم ، لكن مراد الترمذي هنا عندما ذكر هذا أن يكون راويه لا يبلغ درجة صاحب الحديث الصحيح ولا صاحب الحديث الحسن ولا يشتد ضعفه ؛ فيدخل فيه المستور والمجهول ونحو ذلك ، هذا مراد الترمذي . والله أعلم .

( ولا يكون حديثاً شاذاً ) الشاذ مخالفة المقبول لمن هو أولى منه ، فإذا كان الحديث شاذا لا يكون حسنا (ويروى من غير وجه نحو ذلك)

أي لا يكون للحديث إسناد واحد فقط ، بل يكون الحديث قد روي بإسناد آخر يدعم الإسناد الأول حتى يسمى الحديث حسنا .

هذا تعريف الترمذي للحديث الحسن

قال ابن كثير معترضا على تعريف الترمذي :

( قالوا :وهذا إذا كان قد روي عن الترمذي أنه قاله ففي أي كتاب له قاله وأين إسناده عنه ) يعني أن ابن كثير لا يسلم بأن هذا الكلام قد قاله الترمذي أصلا ، ويعترض فيقول من أين أتيت به يا ابن صلاح ؟ وقد تعجب العلماء من إنكار ابن كثير هذا مع سعة اطلاعه وقوة حفظه رحمه الله ؛ لأن هذا الكلام موجود في آخر العلل الذي في آخر جامع الترمذي ، فقد وضع الترمذي كتابا صغيرا في العلل في آخر جامعه ، فكلام الترمذي موجود في آخر هذا الكتاب ، فالنقل صحيح من ابن الصلاح ولكن الخطأ من ابن كثير رحمه الله .

قال تتمة لاعتراضه :

( وإن كان قد فُهم من اصطلاحه في كتابه " الجامع " ) يعني لا يخلو الأمر من أحد أمرين يا ابن الصلاح ؛ إما أنك نقلته عن الترمذي وأنه قاله فأين هو ؟ أو أنك فهمته استنباطا من كلام أو من عمل الترمذي في جامعه ؛ فإن كان الأول فأثبته أين وقفت عليه ؟ وإن لم يكن موجودا وقد فهمته فهما من عمل الترمذي (فليس ذلك بصحيح) لا نسلِّم لك بهذا الفهم .

وقلنا بأن الصواب مع ابن الصلاح والكلام موجود في آخر العلل الذي في آخر الجامع .

قال : ( فإنه يقول في كثير من الأحاديث: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه ) يستدل الآن ابن كثير على خطأ ابن الصلاح فيما نقله عن الترمذي .

أين الدليل في كلامه ؟ وجه الدلالة قوله : ( غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه) ، مع قوله فيه إنه ( حسن ) ، حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، أي أنه لم يأت من وجه آخر ، ليس له إسناد آخر عند الترمذي رحمه الله ، ومع ذلك قال فيه حسن ، فيقول ابن كثير هنا ؛ وفي الكلام الذي نقلته عن الترمذي ؛ يقول الترمذي : يُشترط في الحسن عنده أن يُروى من غير وجه نحو ذلك ، إذاً المسألة الآن صار فيها تناقض .

قلنا بأن الكلام ثابت للترمذي صحيح عنه ، فكيف نجمع بين هذا وبين ما ذكره ابن كثير رحمه الله ؟

قال أهل العلم : الحديث الحسن الذي يقول فيه الترمذي حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه غير الحديث الحسن الذي عرَّفه ، أي أن الحسن قسمان :

القسم الذي عرَّفه الترمذي هو الحسن لغيره ، والقسم الذي يقول فيه هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه يريد به الحسن لذاته .

هذه طريقة الجمع بين كلام الترمذي وعمله .

فالحسن إذاً قسمان: حسن لذاته و حسن لغيره

والترمذي عرَّف الحسن لغيره وما تطرق للحسن لذاته ، بهذه الطريقة نجمع بين كلام الترمذي وبين عمله

ومع ذلك قال أهل العلم تعريف الترمذي للحسن لغيره ليس على طريقة التعريفات .

( قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله: وقال بعض المتأخرين:) أراد بذلك ابن الجوزي (الحديث الذي فيه ضعف قريب مُحتمل، هو الحديث الحسن، ويصلح للعمل به)

وهذا تعريف جديد للحسن ، قالوا : الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل ؛ هو الحديث الحسن ويصلح للعمل به ، اعترضوا عليه وقالوا هذا أيضا ليس بمضبوط بضابط يتميز به القدر المحتمل من غيره ، فما هو هذا القدر المحتمل ؟ لا نستطيع أن نميز فيه بين الحسن وبين الضعيف مثلا .

(ثم قال الشيخ: وكل هذا مستبهم لا يشفي الغليل) أي غير واضح ، فابن الصلاح يقول الآن ؛ كل هذه التعريفات التي ذكرتها لكم مستبهمة أي غير واضحة ، والغليل : هو حرارة العطش ، أي : هذه التعريفات لا تشفي أي لا تروي المتعطش لفهم الحديث الحسن ، قال :

(وليس فيما ذكره الترمذي والخطابي ما يفصل الحسن عن الصحيح ) أي تعريفاتهم يمكن أن يدخل فيها الصحيح ، وناقش بعض العلماء كلام ابن الصلاح وقالوا قد أخرج الترمذي - رحمه الله - الصحيح وبعضهم أيضا دافع عن الخطابي ؛ إلا أنها تبقى تعريفات ليست دقيقة ( وقد أمعنت النظر في ذلك والبحث) أي أكثر النظر و البحث كي يصل إلى تعريف الحسن ( فتنقح لي واتضح ) أي خلص لي وتبين (أن الحديث الحسن قسمان (: أي أنه لن يستطيع في النهاية أن يعرِّف الحسن بتعريف جامع مانع على طريقة التعاريف إلا إذا قسم الحسن إلى قسمين وعرف كل قسم على حدة :

(" أحدهما " : الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور ) يريد الآن أن يعرف الحديث الحسن لغيره ؛ فيقول الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور ، أي أنه لا بد أن يكون فيه ضعف .

والمستور في اصطلاح المحدثين هو الذي عرفت عدالته الظاهرة وهي ما يُعلم من ظاهر حال الشخص ولم تعلم عدالته الباطنة ، هذا المستور في أصله .

لكن قال شيخنا الو ادعي - رحمه الله - : يعني ولو ضعيفا ، أي أنه أراد أن لا يخلو رجال إسناد الحديث من رجل ضعيف (لم تتحقق أهليته) أي لم يثبت أنه أهل لقبول الرواية عنه ( غير أنه ليس مغفلاً كثير الخطأ، ولا هو متهم بالكذب ) وهنا نبه أنه لا ينبغي أن يكون صاحب الحسن لغيره شديد الضعف ، فإذا كان متهما بالكذب أو مغفلا كثير الخطأ بحيث يقال فيه في سلم الجرح والتعديل ضعيف جدا أو متروك، فمثل هذا لا يصلح في الشواهد والمتابعات ، ولا يتقوى حديثه .

فشرط الحديث الضعيف الذي يتقوى ويصبح حسنا لغيره؛ هو أن يكون راويه الضعيف ضعيفا ضعفا خفيفا وليس ضعفا شديدا ( ويكون متن الحديث قد روي مثله أو نحوه من وجه آخر ) ومتن الحديث لفظه أي كلام النبي صلى الله عليه وسلم

فإذا روي مثله - مثله يعني مطابق له تماما - تريد أن تقوي مثلا حديث " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " بحديث آخر ، يجب أن يكون إسناد الحديث الضعيف هذا قد روي بنفس المتن " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " نفس المتن مثله .

أو نحوه ؛ أي بمعناه ، أي لو جاء في رواية ثانية مثلا : الطلاق يبغضه الله ؛ فهذا حديث معناه قريب من معنى الأول ففي هذه الحالة يتقوى به ويكون متن الحديث قد روي مثله أو نحوه .

نحوه : أي بمعناه وليس شرطاً أن يكون مطابقاً له

مثله : أي مطابقاً له

أو نحوه من وجه آخر أي بإسناد آخر سواء كان عن نفس الصحابي أو عن صحابي آخر (فيخرج بذلك ) أي بمجيئه من وجه آخر ( عن كونه شاذاً أو منكراً. ثم قال: وكلام الترمذي على هذا القسم يُتنزل) أي كلام الترمذي ننزله على هذا المعنى أي الحسن لغيره .

إذاً علمنا أن الحسن لغيره هو أن يأتي حديث في سنده ضعف لكن هذا الضعف خفيف وليس شديدا ، فالحديث إذا كان ضعيفا ضعفا شديدا لا يتقوى أبدا ، فلا يتقوى إلا إذا كان ضعفه خفيفا بمعنى أن أحد رواته مثلا قيل فيه سيء الحفظ ، فلان ضعيف ، فلان لا يحتج به ، كلمات تشير إلى الضعف الخفيف في الراوي ، مثل هذا إذا وجدنا له متابعا أو شاهداً قبلنا روايته وأصبح حديثه حسنا .

أما إذا قيل في الرواي كذاب أو متروك أو هالك أو منكر الحديث هذا يدل على الضعف الشديد وهذه كلها ستأتي إن شاء الله في سلم الجرح والتعديل ونعرف هناك ما الذي يدل على الضعف الشديد وما الذي يدل على الضعف الخفيف ، فإن كان الراوي ضعفه خفيفا وجاء حديثه من وجه آخر قُبل وتقوى وصار حسنا لغيره .

( قلت ) الكلام لابن كثير ( لا يمكن تنزيله لما ذكرناه عنه. والله أعلم ) أي لا يمكن أن ننزل ما قاله ابن الصلاح على ما عرّفه الترمذي قبل قليل ؛ لأنه لا يثبت عن الترمذي ، ولأن الكلام هذا إن كان استنباطا فقد بينا بطلانه .

وقلنا بأن كلام الترمذي رحمه الله ثابت عنه فلا وجه لكلام ابن كثير ولا لاعتراضه ها هنا .

(قال: " القسم الثاني " : أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة ولم يبلغ درجة رجال الصحيح في الحفظ والإتقان) أي أن يكون راويه عدلا مشهورا بالصدق والأمانة ، أي أنه عدل وفي هذه يتفق مع صاحب الحديث الصحيح ، إنما الافتراق بينهما في الحفظ ؛ فصاحب الحديث الصحيح حفظه تام قوي .

وصاحب الحديث الحسن حفظه أقل وأضعف إلا أنه ليس سيئا بحيث يرد حديثه .

( ولا يُعد ما ينفرد به منكراً ) لأن الراوي إذا انفرد بالحديث وعدّوه منكرا فهو من أخطائه ،فلا يصلح أن يُحسّن ( ولا يكون المتن شاذاً ولا معللاً ) كشروط الصحيح ، فهذا تعريف ابن الصلاح للحسن لذاته.

وأقرب التعاريف للصواب - ولا نقول صوابا ، ولكن أقرب التعاريف للصواب - ما ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله أو قريب منه - وهو أنه نفس تعريف الصحيح : ما اتصل إسناده بنقل العدل الذي خف ضبطه - هذا هو الفرق بينه وبين الصحيح - عن المقبول إلى منتهاه ولا يكون شاذا ولا معللا .

لماذا أعرضنا عن قولنا " عن مثله " كما قلنا في الصحيح ؟ لأنه لا يشترط في الحسن أن يكون جميع رواة السند قد خف ضبطهم ، بل راو واحد فقط إذا خف ضبطه صار الحديث حسنا ، فأكثر من راوي من باب أولى أيضا يكون حسنا، لكن ليس من شرط الحديث الحسن أن يكون جميع الرواة قد خف ضبطهم ، فلو قلنا عن العدل الذي خف ضبطه عن مثله ؛ لأوهم ذلك أننا نشترط أن يكون جميع رواة السند قد خف ضبطهم لذلك أعرضنا عنها وقلنا عن المقبول ، إذا أقرب التعاريف للصواب أن نقول هو ما اتصل إسناده بنقل العدل الذي خف ضبطه عن المقبول إلى منتهاه ولا يكون شاذا ولا معللا .

وهو قريب جدا مما ذكره ابن الصلاح هاهنا .

( قال: وعلى هذا يتنزل كلام الخطابي ) أي على الحسن لذاته (قال والذي ذكرناه يجمع بين كلاميهما)

هذا خلاصة ما ذكر في تعريف الحسن

والخلاصة مرة ثانية أن الحسن ينقسم إلى قسمين:

حسن لذاته وحسن لغيره

والحسن لذاته تعريفه نفس تعريف الصحيح ما عدا قولنا العدل الضابط نغيرها ونقول العدل الذي خف ضبطه ، وبدل قولنا عن مثله نقول عن المقبول . فقط هذا بالنسبة للحسن لذاته .

والفرق بينه وبين الصحيح هو في ضبط الراوي فقط ؛ فصاحب الحديث الصحيح ضبطه قد تم ، بينما صاحب الحديث الحسن خف ضبطه عن صاحب الحديث الصحيح .

أما الحسن لغيره فهو الحديث الضعيف ، ولكن ضعفه ليس شديدا وجاء ما يدعمه ويسنده فصار حسنا لغيره . والله أعلم

قائمة الخيارات
0 [0 %]
بقلم: أبي الحسن علي الرملي
الاحد 5 صفر 1432
عدد المشاهدات 3631
عدد التحميلات 88
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق