الثلاثاء 15 شوال 1445 هـ
23 ابريل 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-49، كتاب الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين.   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (124-129)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (117-123)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (111-116)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (107-110)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (97-106)   تفسير القرآن: ‌‌تفسير سورة التوبة 94-96   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-48، كتاب الوضوء، الحديث 170و171و172و173و174و175   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-47، كتاب الوضوء، الحديث 166و167و168و169   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-46، كتاب الوضوء، الحديث 162و163و164و165      

شرح ثلاثة الأصول الدرس الثالث

[المجلس الثالث]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

هذا شرح ثلاثة الأصول الدرس الثالث

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (اعلم رحمك الله أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم ثلاث هذه المسائل والعمل بهن) ، (اعلم رحمك الله): تقدم القول فيها في الدروس الماضية.

قوله: (أنه يجب على كل مسلم ومسلمة)، الوجوب هنا وجوب شرعي, الواجب لغة هو الساقط واللازم, أما في الاصطلاح فهو ما أمر به الشارع أمراً جازماً, أو على وجه الإلزام, هذا الواجب على الناحية الاصطلاحية.

فاعله يؤجر على فعله, وتاركه يستحق العقاب على تركه.

هذا تعريف الواجب من الناحية الشرعية الاصطلاحية.

وقد ذكرنا في الدرس الماضي أن الواجب قسمان: واجب عيني، وواجب كفائي، وهذا الذي يتحدث عنه المصنف رحمه الله هو الوجوب العيني, يجب على كل مسلم ومسلمة, لا فرق في الواجبات الشرعية بين المسلم والمسلمة, الأصل أن المسلم والمسلمة يتَّحدان في الواجبات الشرعية, إلا ما نُص عليه في الشرع أنه خاص بالرجال كالجهاد وصلاة الجماعة وصلاة الجمعة.

قال رحمه الله (أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم ثلاث هذه المسائل ) , بعد أن انتهى من المسائل الأربع الأولى بدأ بمسائل جديدة, وهذه المسائل ثلاث مسائل يجب على المسلمين تعلُّمها، قال:

" ( الأولى: أن الله خلقنا ) " أي أن الله سبحانه وتعالى أوجدنا من العدم, قال سبحانه { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ } [ الأنعام/2]وقال{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [ البقرة/21]، الذي خلقكم,وقال سبحانه{ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [ الزمر/62]، فالله سبحانه وتعالى هو الذي أوجدنا من العدم.

"( ورزقنا) " أي الله سبحانه وتعالى هو الذي تكفل برزقنا وهو الذي يقوم على رزقنا, قال سبحانه { اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [ غافر/64]، وقال { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } [ الذاريات/58]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

ثم قال المصنف رحمه الله: ( ولم يتركنا هملا بل أرسل إلينا رسولا),ولم يتركنا: أي خلقنا الله سبحانه وتعالى ورزقنا ولم يتركنا هملا, الهمل: هو المهمَل المتروك بلا رعاية ولا عناية, أي لم يتركنا الله بلا أمر ولا نهي ولا بيان لمِا نحتاجة في ديننا ودنيانا, بل أمرنا ونهانا وبيَّن لنا طريق الخير وطريق الهداية, فلم يخلقنا الله سبحانه وتعالى عبثاً وسُدًى, قال سبحانه:{ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ } [ المؤمنون/116/115]،وقوله: "وقال { أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى }"، فالله سبحانه وتعالى خلقنا ورزقنا لحكمة عظيمة, وهي أن نعبده سبحانه, قال جل في علاه{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } [ الذاريات/58/57/56]، ولم يخلقنا الله سبحانه وتعالى في هذه الدنيا أو لهذه الدنيا كي نرتع ونعيش ونتمتع بها, بل خلقنا الله سبحانه وتعالى وأوجدنا في هذه الدنيا كي نعمل ونطيع ونَجِدّ ونجتهد في طاعة الله تبارك وتعالى, كي نحصل على ما وعدنا الله تبارك وتعالى به من خيرا ت الآخرة ونعيمها.

ثم قال رحمه الله: ( ولم يتركنا هملا بل أرسل إلينا رسولا) ، محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم, أرسله لهذه الأمة كي يخرجها به من الظلمات إلى النور ومن الضلال إلى الهدى, وكي يبيِّن الله لهم ما الذي يريده منهم وما الواجب عليهم, وأراد الله منا أن نعبده ولم يرد منا أن نعبده بأهوائنا, بل بما شرع, فبيَّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم, وبيَّن لنا قبل ذلك ربنا تبارك وتعالى حكمة الله سبحانه وتعالى في خلقنا وإيجادنا, وشرع لنا هذا الشرع الحكيم المتقَنْ على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم, وألزمنا بالتمسك به وبطاعة الله سبحانه وتعالى بالسير على طريق النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هديه, فلا يجوز لنا أن نخرج عن هذه الطريق.

قال المؤلف رحمه الله: ( فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار) ، جاء في الحديث في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى, فقيل: ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى"، إذاً طريق الجنة هي طاعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

قال المؤلف رحمه الله: ( والدليل قوله تعالى:{ إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً } ) ، إنا أرسلنا إليكم يا معشر الجن والإنس, "رسولا" ، محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( { شَاهِداً عَلَيْكُمْ } ) أي يشهد عند الله أنه بلَّغكم وأقام الحجة عليكم ( { كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً } ) وهو موسى عليه الصلاة السلام,({ فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ } ) فعصى فرعون موسى( { فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً }) [ المزّمِّل16/15] أي شديداً قوياً، أخده الله تبارك وتعالى بالعقاب, الشاهد هنا أن الله سبحانه وتعالى أرسل إلينا محمداً صلى الله عليه وسلم بشيراً ونذيرا,كما أرسل إلى فرعون رسولاً أيضاً كان بشيراً ونذيرا{ فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً }، فإن أطعتم محمداً صلى الله عليه وسلم نالكم من الخيرات ما وعدكم به ربنا تبارك وتعالى , ومن لم يطع الرسول كان نصيبه من العذاب والعقاب كنصيب فرعون{ فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً }، فالواجب على كل مسلم أن يطيع الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله تبارك وتعالى بشريعته، والأدلة التي جاءت في الكتاب والسنة تدل على وجوب طاعة الرسول وعلى تحريم مخالفته كثيرة جداً, منها قول الله تبارك وتعالى{ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } [ النساء/59]، وكذلك منها قول الله تبارك وتعالى{ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ آل عمران/132]، فطاعة الله وطاعة الرسول تكون عاقبتها الرحمة والنجاة وتكون عاقبتها الجنة, وقال سبحانه{ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [ النساء/13]، فطاعة النبي صلى الله عليه وسلم عاقبتها ومآلها جنات الخلد, وأما معصيته فعاقبتها ومآلها وخيمة وعذابٌ من الله شديد, قال سبحانه{ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [ النساء/14]، { وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً } [ الأحزاب/36]، نسأل الله أن يعافينا وإياكم من مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم والانحراف عن طريقه وعن هديه.

هذا كله يبيِّن لنا أن الواجب على المسلمين هو توحيد الله تبارك وتعالى والإيمان به واتباع رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم, فالدين والشريعة لابد أن تكون بهذا (..) بهذه الطريقة توحيد وسنة, توحيد: إفراد الله تبارك وتعالى بالعبادة, قرَّر عندنا المصنف هاهنا في المسألة الأولى أنه يجب علينا أن نعبد الله, فالحكمة التي أوجدنا الله سبحانه وتعالى على الأرض لأجلها هي عبادة الله تبارك وتعالى,وهذه العبادة لا تكون صحيحة ولا تكون كما أراد الله تبارك وتعالى إلا إذا كانت على طريقة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم, فالنبي صلى الله عليه وسلم طريقته وهديه هو الذي يوصل إلى الجنة, وأما من عصى النبي صلى الله عليه وسلم وخالف طريقه فهي طريقٌ إلى النار,كما قال عليه الصلاة والسلام عندما خط خطاً مستقيماً ثم خط على جنبتيه طرقاً معوجة, فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"هذه سبيلي"، وقال:" تلك السبل على كل طريق منها شيطان يدعو إليها", إذاً طريق النجاة هي سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم, أراد الله منا أن نعبده, وأراد منا أن نعبده على الطريقة التي أرادها سبحانه وتعالى, على الطريقة التي أمرنا بها النبي صلى الله عليه وسلم, التي أرسل الله سبحانه وتعالى بها رسوله, ومن خالف هذه الطريق في العبادة فعبادته مردودة, قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" فهو مردود عليه, وإن ظن هو أنه حسن, وكان عليه الصلاة والسلام يقول:"كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار"، هذا لفظ عام باقٍ على عمومه, أن كل بدعة فهي ضلالة وهي في النار, أي صاحب البدعة في النار لأنه مخالف لشرع الله, مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم, وجاء في الحديث أن ثلاثة نفر جاءوا إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وطرقوها وسألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم, يقول الراوي: وكأنهم تقالّوها , أي رأوا بأن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم هذه قليلة لا تكفيهم, فأرادوا أن يجتهدوا أكثر, وقالوا: هذا النبي صلى الله عليه وسلم قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر, فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل ولا أنام, وقال الآخر: أما أنا فأصوم ولا أفطر, وقال الثالث: أما أنا فلا أتزوج النساء, من نظر إلى العبادات بنظرة عقلية قال: هذه عبادات لا بعدها ولا قبلها, لكن النبي صلى الله عليه وسلم عندما سمع بهذا ماذا قال ؟ قال:"أما إني أتقاكم لله وأخشاكم له ومن رغب عن سنتي فليس مني"، إذاً العبادة يجب أن تكون على سنة النبي صلى لله عليه وسلم, كما شرع الله تبارك وتعالى, ورحم الله الإمام مالك عندما قال: من ابتدع في دين الله بدعةً فقد ادّعى أن محمداً خان الأمانة، خان الرسالة, يعني كأنه يقول: النبي صلى الله عليه وسلم ما بلّغنا هذه العبادة وأنا أزيدها من عندي, فهاهنا يكون قد ادعى أن محمداً خان الرسالة ولم يبلغ رسالة الله كاملة أو أنه يريد أن يستدرك على شرع الله تبارك وتعالى, لذلك قال الإمام الشافعي رحمه الله: (مَنْ استحسن فقد شرَعْ)، جعل نفسه مشرِّعاً مع الله سبحانه وتعالى, لازمك أحد الأمرين ولابد: إما أنك تجعل نفسك مشرعاً مع الله, وهذه العبادات والتشريع حق خالص لله تبارك وتعالى.

أو أنك تقول بأن الله شرعها ولكن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يبلِّغ هذه الرسالة, فأنت تأتي وتزيد هذه العبادة, لذلك أمْر البدعة خطير وعظيم, فيجب اجتنابها ويجب تحري سنة النبي صلى الله عليه وسلم,كي نتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بما شرع وكما أراد الله تبارك وتعالى, لا بالاستحسانات العقلية والآراء المخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

قال المؤلف رحمه الله: ( الثانية:) أي المسألة الثانية.

المسألة الأولى قرَّر فيها وجوب عبادة الله تبارك وتعالى على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

أما هذه الثانية فقال المؤلف رحمه الله:( أن الله لا يرضى أن يُشرَك معه أحد في عبادته, لا ملك مقرب ولا نبي مرسل), الله أمرنا بالعبادة, أمرنا بطاعته, أمرنا بالخضوع والتذلل له, ونهانا أيضاً أن نعبد معه غيره, أراد هذه العبادة أن تكون خالصةً له سبحانه, { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [ البينة/5]، { وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } [ النساء/36] { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ } [ الإسراء/23]، إذاً نحن مأمورون بعبادة الله.

هذه الأولى.

الثانية: مأمورون ألا نعبد غيره.

هذه الثانية.

الثالثة: مأمورون أن نعبد الله كما يريد سبحانه لا بأهوائنا ولا بطرقنا المخترعة.

هذه ثلاث نقاط مهمة جداً ويلخصها العلماء بنقطتين:

الأولى: يقولون: الواجب علينا أن نعبد الله وحده وألا نشرك به غيره, إخلاص العمل لله تبارك وتعالى.

الثانية: متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في العمل, إذاً العمل لا يكون مقبولاً عند الله إلا بالإخلاص وبمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم.

قال: "الثانية: أن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته", فأي عبادة تتقرب بها إلى الله يحرم أن تتقرب بها إلى غيره, ولا يجوز لك أن تتقرب وتخضع وتتذلل لغير الله سبحانه وتعالى, العبادات يجب أن تكون خالصة لله سبحانه وتعالى,قال: "لا ملك مقرب ولا نبي مرسل", لماذا اختار هذين الوصفين ؟ وصف الملك المقرب والنبي المرسل ؟ هؤلاء أفضل الخلق, هؤلاء أفضل خلق الله تبارك وتعالى,الملائكة المقربون: كجبريل عليه السلام, والأنبياء المرسلون: كمحمد صلى الله عليه وسلم, هؤلاء الخلق لا يقبل الله سبحانه وتعالى أن يكونوا له شركاء في عبادته, فغيرهم من باب أولى.

وقال: ( والدليل قوله تعالى{ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً }[ الجن/18]) المساجد سواء كانت مواضع السجود وهذه تشمل جميع البقاع, أو كانت المساجد تلك البيوت التي تبنى لإقامة الصلاة, فهي كلها لله تبارك وتعالى مختصة به{ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً }، أي هذه المساجد وهذه البقاع لعبادة الله تبارك وتعالى فلا يجوز أن تعبدوا غيره معه, لا دعاء مسألة ولا دعاء عبادة, لا يجوز لكم أن تعبدوا غير الله معه, لذلك قال: { وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} وأحدا هنا نكرة, في سياق النهي, فهي تعُمّ, تشمل كل أحد, لا يجوز لكم أن تدعوا مع الله أحدا, والواجب أن تدعوا الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له.

قال: ( الثالثة: أن من أطاع الرسول ووحَّد الله ) أي مَن حقَّق المسألة الأولى والمسألة الثانية، ( لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ) , من أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله, الموالاة: بمعنى الولاء, وهي هنا المحبة والنصح, لا يجوز له موالاة من حاد الله:أي من كان هو في حدّ، والله ورسوله والمؤمنون في حد آخر, في شقين مختلفين تماماً, فهذا فيه أن هذا الشخص يكون في شق والله ورسوله في شق آخر, يعني فيه اختلاف تام, ( ولو كان أقرب قريب ) :أي في النسب, فإذا كان قريب الشخص معادياً لله ورسوله وجب بغضه وعدم محبته لله, ( والدليل قوله تعالى{ لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } ) أي لا يقع هذا ولا يوجد, قوم يؤمنون بالله واليوم الآخر ( {يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } ) لا يجتمعان, إنسان يؤمن بالله واليوم الآخر, يواد:أي يحب, من حاد الله:أي من خالف الله ورسوله، هذا غير موجود, من كان بحق مؤمناً بالله, هذا لا يكون في قلبه محبةً لمن خالف الله سبحانه وتعالى ومن شاق الله, ( { وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } ) مهما كان مقرباً إليك في النسب, إذا علمت منه أنه مخالف لله ورسوله, وأنه مشاقٌ لله ورسوله, علمت منه ذلك وأنت مؤمن بالله واليوم الآخر، فلن يجتمع في قلبك محبة هذا ونصرته مع إيمانك بالله تبارك وتعالى وبملائكته, قال الله سبحنه وتعالى( { أُوْلَئِكَ } ) أي الذين لا يجتمع هذا وهذا قي قلوبهم,( { أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ }) أي بنصر منه ( { وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } ) [ المجادلة/22]، هذه النقطة الثالثة هي نقطة الولاء والبراء, الحب والبغض والمحبة والنصرة, هذا ما يتعلق بمحبتهم ونصرتهم, وأما معاملتهم الدنيوية فجائزة, في أمور ورد الشرع بجوازها, كالبيع والشراء والإحسان والمخالقة بخلق حسن لغير المحاربين, والإحسان للوالد والوالدة الكفار, وكذلك الإحسان للجار الكافر, وكذلك يجوز الزواج من الكتابية العفيفة ولابأس بإجابة دعوتهم وأكل طعامهم المباح كما فعل صلى الله عليه وسلم, ولا مانع أيضاً من مكافأتهم على الإحسان إذا أحسنوا للمسلمين, قال تعالى{ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [ الممتحنة/8] فلا بأس ولا مانع من ذلك ولا تَنافي بين المحبة الولاء وبين هذه الأفعال التي هي المعاملات الدنيوية.

نكتفي بهذا القدر والله أعلم

قائمة الخيارات
42 [1 %]
بقلم: أبي الحسن علي الرملي
الاربعاء 8 ربيع ثان 1433
عدد المشاهدات 4547
عدد التحميلات 72
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق