الخميس 17 شوال 1445 هـ
25 ابريل 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-49، كتاب الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين.   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (124-129)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (117-123)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (111-116)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (107-110)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (97-106)   تفسير القرآن: ‌‌تفسير سورة التوبة 94-96   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-48، كتاب الوضوء، الحديث 170و171و172و173و174و175   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-47، كتاب الوضوء، الحديث 166و167و168و169   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-46، كتاب الوضوء، الحديث 162و163و164و165      

شرح الورقات -14 الجزء الثاني

وأما القسم الثاني : قياس الدلالة فعرفه المؤلف بقوله الاستدلال بأحد النظيرين على الآخر وهو أن تكون العلة دالة على الحكم ولا تكون موجبة للحكم أي أن قياس الدلالة أضعف من قياس العلة ؛ لأن الدليل في قياس الدلالة مجوز للحكم وليس موجباً للحكم كما في الصورة الأولى ؛ العلة كانت موجبة للحكم أي أن الحكم يجب أن يوجد مع وجوده، أما هنا فجائز إذا وجدت العلة يجوز أن يوجد الحكم.
مثال : الزكاة في مال الشخص البالغ واجبة والعلة هي النمو، أي لأن ماله نامٍ يعني يزيد و ينمو ، وهذه العلة موجودة في مال غير البالغ ، فإن الصبي إذا كان له مال نامٍ فالعلة تكون موجودة في ماله فنثبت الزكاة في مال غير البالغ بجامع النمو .
ويجوز أن يأتي آخر ويقول : لا نثبتها ؛ لأن البالغ يختلف حكمه عن غير البالغ، إذن فمن حيث الجواز جائز لكن لا تجب كما في الصورة الأولى .
مثال التفريق بين قياس العلة وقياس الدلالة ، قال الله تبارك وتعالى: { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً } في الآية حكم تحريم أكل مال اليتيم ظلماً ، هذا حكم الأكل ؛ فإذا شرب من مال اليتيم ظلماً فهل يجوز ذلك ؟
الجواب : لا ؛ لأن الشرب مثل الأكل وليس أولى منه ، فتحريم الشرب من مال اليتيم ليس أقوى من تحريم الأكل بل هو مثله، الأكل والشرب ظلماً من مال اليتيم بنفس الدرجة فهو قياس النظير بنظيره أي المثيل بمثيله .
وأما إحراق مال اليتيم مثلاً فربما يقال إنه من باب أولى إذا اعتبرنا أن الإحراق أشد من الأكل، لأن الأكل فيه انتفاع وإن كان بالظلم وأما الإحراق فليس فيه انتفاع أصلاً . إذن فإحراق مال اليتيم أشد من أكل مال اليتيم ظلماً فهذا يسمى قياس الأولى أو مفهوم الأولى أو فحوى الخطاب أو قياس علة كل هذه الاصطلاحات يُطلقها أهل الأصول على هذا القياس، القياس في المثال الأول قياس دلالة وفي الثاني قياس العلة .
وأما القسم الثالث: وهو قياس الشبه فقال المؤلف رحمه الله هو الفرع المتردد بين أصلين فيلحق بأكثرهما شبهاً ، ذكرنا في البداية أن في القياس أصل واحد وفرع ، وجدنا الفرع والأصل يشتركان في العلة فألحقنا الفرع بالأصل ، لكن عندنا هنا فرع يشترك مع أصلين وليس مع أصل واحد، فبأيهما نلحقه بالأصل الأول أو الثاني ، قال المؤلف - رحمه الله - : يلحق بأكثرهما شبهاً ، وهذا القياس أضعف أنواع القياس ، فإن أقواها الأول وهو قياس العلة، ثم قياس الدلالة ثم قياس الشبه.
مثال قياس الشبه : يمثل علماء الأصول لذلك بالعبد المملوك، يقتله أحدهم هل يدفع القاتل ديته كما يفعل مع الإنسان الحر إذا قتله ، أم يدفع القيمة كما يفعل من قتل البهيمة؛ فإنه يدفع ثمنها؛ هل يدفع الدية أم يدفع القيمة عندنا لها أصلان، إذا قلنا العبد فرع يشبه أصلان وهما الإنسان الحر والبهيمة؛ يشبه الإنسان الحر من حيث أنه يثاب ويعاقب ويأمر وينهي وهو مكلف ، ويشبه البهيمة من حيث أنه يُباع ويُشترى ويُرهن ويُوهب ويُوقف، بأيهما نلحقه ؟ فنقول بأيهما هو أكثر شبهاً ؟
هو في باب المعاوضات ؛ البيع والشراء وما شابه أقرب إلى البهيمة لأنه يباع ويشترى ويوقف ويوهب ، والمسألة التي معنا مسألة ضمان فهي من المعاوضات فيكون أكثر شبهاً بالبهيمة من هذه الناحية ، فيُقاس عليها فيدفع القاتل القيمة ، وذلك لأننا قسنا العبد على البهيمة فقلنا يدفع القيمة كما لو قتل بهيمة .
ما الفرق بين أن يدفع دية أو يدفع قيمة ؟ الفرق أن دية الحُّر معلومة مائة من الإبل، بينما قيمة العبد تختلف على حسب قوته وضعفه حسب أن يكون ذكراً أن يكون أنثى صغيراً كبيراً ، فهذا هو الفرق بين أن يدفع الدية وأن يدفع القيمة.
ثم قال المؤلف - رحمه الله - :
ومن شرط الفرع: أن يكون مناسباً للأصل.
ومن شرط الأصل: أن يكون ثابتاً بدليل متفق عليه بين الخصمين.
ومن شرط العلة: أن تطَّرد في معلولاتها، وألا تنتقض لا لفظاً ولا معنى.
ومن شرط الحكم: أن يكون مثل العلة في النفي والإثبات، والعلة هي الجالبة للحكم، والحكم هو المجلوب للعلة.
بعد أن ذكر - رحمه الله - تعريف القياس وذكر أقسام القياس بدأ يذكر بعض شروط أركان القياس، فبدأ بالفرع ، و الفرع هو ما يراد إثبات حكم الأصل فيه كالأرز في مثالنا السابق الذي قسناه على البر .
ومعنى قول المصنف ومن شرط الفرع أن يكون مناسباً للأصل يعني صحة وجود العلة المناسبة في الأصل وفي الفرع ليُجمع بينهما ، يعني أن توجد العلة المناسبة والوصف المناسب في الأصل وفي الفرع ؛ بأن يجتمع المقيس والمقيس عليه في أوصاف العلة المناسبة .
وأما الأصل فهو المطلوب إثبات حكمه في الفرع كالبر مع الأرز في مثالنا المتقدم، فالبر هو الأصل لأننا نطلب أن نثبت للأرز حكماً كحكم البر، فإذا كان حكم الأصل ثابتاً بنص أو بإجماع وعلمت علته بنص أو استنباط جاز القياس عليه، فلا بد أن يكون الأصل ثابتاً عند المتنَاظِرَين، شخصان يتناظران في مسألة، هذا يثبت وهذا ينفي، فاستدل أحدهما على الآخر بالقياس فهنا كي يصح قياس المُستدل يجب أن يكون الأصل الذي قاس عليه ثابتاً بين المتنَاظِرَين.
وأما العلة فقال المؤلف هي الجالبة للحكم، أي هي التي وُجد الحكم بوجودها ، هي التي تجلبه .
ويقولون في تعريف العلة هي الوصف الظاهر المنضبط، وصف ظاهر واضح منضبط لا يختلف من شخص لآخر ؛ بُني عليه الحكم الشرعي كالاقتيات والادخار في مثالنا المتقدم ، وعليه بني الحكم على الأرز بأنه من الربويات.
وشرط العلة : أن تطَّرد في معلولاتها ولا تنتقض لفظاً ولا معنى، ومعنى تطرد تستمر وتوجد باستمرار كلما وجدت العلة في صورة من الصور وجد معها الحكم، فمثالنا المتقدم أي شيء يصح أن يوصف بأنه مقتات ومدخر فيكون من الربويات . وكذلك الإسكار، كلما وجد وصف الإسكار في شيء وجد التحريم، الخمر أصل، النبيذ فرع ، الخمر محرم لعلة الإسكار، فنقول هل يسكر النبيذ أم لا يسكر؟ الجواب : يسكر، إذن وجدت فيه علة التحريم فالنبيذ محرم وأي شيء وجد فيه وصف الإسكار فهو محرم هذا معنى اطراد العلة .
والمراد بمعلولاتها الأحكام التي عللت بها.
وقوله: ومن شرط الحكم: أن يكون مثل العلة في النفي والإثبات.
قال في تعريف الحكم هو المجلوب للعلة ، أي الذي جلبته العلة .
وشرطه أن يوجد بوجود العلة وينتفي بانتفائها كالإسكار إذا وجد وجد التحريم، وإذا انتفى الإسكار انتفى التحريم ، أي : الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً . هذا ما ذكره المؤلف من مباحث القياس .
ثم قال - رحمه الله -:
وأما الحظر والإباحة فمن الناس من قال: أصل الأشياء على الحظر إلا ما أباحته الشريعة، فإن لم يوجد في الشريعة ما يدل على الإباحة فيتمسك بالأصل وهو الحظر.
ومن الناس من قال بضده وهو أن: أصل الأشياء الإباحة إلا ما حظره الشرع.
يشير المؤلف - رحمه الله - إلى قاعدة مهمة وهي الأصل في الأشياء الإباحة أو الحل،
معنى الحظر : التحريم ومعنى الإباحة : الحل، أي بعد ورود الشرع ؛ هل الأصل في الأشياء الحظر أم الإباحة؟
اختلف أهل العلم في ذلك، فالبعض قال الأصل فيها التحريم حتى يرد في الشريعة ما يدل على الإباحة ، ومرادهم بالأشياء المعاملات والأكل والشرب وأشباه ذلك . والبعض الآخر قالوا الأصل في الأشياء الحل حتى يرد في الشريعة ما يدل على التحريم، وهذا القول هو الصحيح ودليله قول الله تبارك وتعالى: { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً }، إذن فكل ما في الأرض مخلوق لنا، وهذه الآية ذكرها الله في معرض الامتنان ولا يمتن على عباده إلا بشيء جائز لهم ، إذن فالصحيح أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد دليل من الشرع يدل على التحريم .
ولهذه القاعدة فائدة كبيرة ؛ فكل شيء من المعاملات ونظائرها إذا سئلنا عنها قلنا الأصل فيها الحل حتى يأتي دليل يدل على التحريم كالأشياء الضارة مثلاً، ورد دليل يدل على تحريمها وهي : "لا ضرر ولا ضرار" ؛ فهذه الأشياء انتهت لورود حكم فيها .
هل يجوز أكل الأسد ؟ الجواب : لا يجوز، ورد فيه حكم عام وهو أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن كل ذي ناب من السباع .
هل يجوز أكل البط ؟ نقول الأصل في الأشياء الحل حتى يدل دليل على التحريم، الأصل في البط أنه حلال ؛ وهكذا، فما ورد فيه نص من الكتاب والسنة نقف مع النص من الكتاب والسنة وما لم يرد فيه نص من الكتاب والسنة نرجع فيه إلى الأصل وهو الإباحة، هذا في غير العبادات .
أمل العبادات فالأصل فيها التحريم، يَحْرُم أن تتقرب إلى الله بعبادة إلا إذا دلَّ الدليل على مشروعيتها لقول النبي صلى الله عليه و سلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" وقوله :"كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار" فيجب أن تكون العبادة مشروعة بأدلة شرعية صحيحة كي يصح أن تتقرب إلى الله بها، فإذا قال لنا شخص أريد أن أصلي ركعتين سنة الجمعة القبلية بعد الأذان قلنا له الأصل في العبادات التحريم، فَأتِ بدليل يدل على هذه العبادة ثم بعد ذلك افعل فإذا لم يأتي بدليل قلنا له لا يجوز لك أن تفعل هذه العبادة، هذا في العبادات أما في المعاملات ؛ الأكل والشرب وما شابه ذلك فإذا سأل أحد عنها ولم يرد عندنا دليل من الكتاب والسنة يدل على هذه المسألة رددناه إلى الأصل وهو الإباحة.
ثم قال المؤلف - رحمه الله -:
ومعنى استصحاب الحال أن يستصحب الأصل عند عدم الدليل الشرعي.
هذا دليل من الأدلة الشرعية أيضاً يسمى استصحاب الحال ، وهو أن يُستصحب الأصل وهو البراءة الأصلية، وتسمى البراءة الأصلية ؛ براءة الذمة ؛ عند عدم وجود الدليل الشرعي ، كأن يُسأل المجتهد عن حكم صوم شهر رجب فيبحث عن دليل على ذلك في الكتاب أو السنة أو الإجماع فلا يجد شيئاً فيقول لا يجب صيام شهر رجب باستصحاب الحال أي العدم الأصلي براءة الذمة، فيقول الأصل براءة الذمة وهكذا في جميع الأبواب . مثلاً يجد المجتهد دليلاً منافياً لاستصحاب البراءة حكم باستصحاب الأصل وهذا معتمد باتفاق عند عدم جميع الأدلة من النص والقياس والإجماع.
قائمة الخيارات
0 [0 %]
بقلم: أبي الحسن علي الرملي
الخميس 28 محرم 1433
عدد المشاهدات 4815
عدد المستمعين 1
عدد التحميلات 102
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق