الجمعة 20 رمضان 1445 هـ
29 مارس 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-47، كتاب الوضوء، الحديث 166و167و168و169   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-46، كتاب الوضوء، الحديث 162و163و164و165   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-45، كتاب الوضوء، الحديث 157و158و159و160و161   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-44، كتاب الوضوء، الحديث 155و156   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-43، كتاب الوضوء، الحديث 151و152و153و154   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-42، كتاب الوضوء، الحديث 145و146و147و148و149و150   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-41، كتاب الوضوء، الحديث 142و143و144   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-40، كتاب الوضوء، الحديث 138و139و140و141   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-39، كتاب الوضوء، الحديث 136و137   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-38، أول كتاب الوضوء، الحديث 135      

الدرس الحادي عشر - الجزء الأول

الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله أما بعد:
فهذا المجلس الحادي عشر من مجالس شرح الورقات
قال المؤلف رحمه الله :
" والمقيد بالصفة يُحمل عليه المطلق كالرقبة قُيِّدت بالإيمان في بعض
المواضع وأُطلقت في بعض المواضع فيُحمل المطلق على المقيد "
ذكر المؤلف - رحمه الله - من المخصصات المتصلة الاستثناء والشرط ثم أدخل تقييد المطلق في مبحث العام والخاص ، ونحن نفصل في ذلك على ما ذهب إليه أهل الأصول ؛ فبين العام والمطلق فرق سيأتي بيانه بإذن الله ، فنقول بقي من المخصصات المتصلة :

الصفة ، والمراد بالصفة هنا ليست الصفة التي عند أهل النحو ؛ الصفة هنا هي ما أشعر بمعنىً يختص به بعض أفراد العام من نعت أو بدل أو حال أو ما شابه، مثال النعت : أكرم الطلبة المجتهدين ، " أكرم الطلبة " عام خصَّصْته بالمجتهدين ، والمجتهدين تعرب صفة . ومثال البدل" : أكرم الطلبة من اجتهد منهم " ، " أكرم الطلبة " هذا عام " من اجتهد منهم " تخصيص . ومثال الحال :" أكرم من جاءك راكبا " ، فـ " أكرم من جاءك " عام يشمل كل من جاءك ."راكبا" خَصَّص من جاءك ، أو "أكرم الطلبة داخلين في المسجد" فأكرم الطلبة عام يشمل جميع الطلبة ، وداخلين في المسجد خصصه ، هذا معنى التخصيص بالصفة .
وأما المطلق لغة ؛ فهو المرسل وهو ضد المقيد أي الخالي من القيد .

والمطلق اصطلاحاً: ما دل على الحقيقة بلا قيد ، تقول: أكرم رجلاً ، المراد إكرام رجل من الرجال ، فكلمة رجل دلت على حقيقة الرجولة بلا قيد ، فهي غير مقيدة بأي قيد ، فامتثالاً لهذا الأمر تكرم أي شخص يتصف بالرجولة هذا معنى الإطلاق ، فالإطلاق أو المطلق عام ولكن عمومه بدلي ، فنحن لم نقل : أكرم الطلبة ؛ هذا عموم شمولي ، والذي نسميه العام وقد تقدم معنا ، فإذا قلنا : أكرم الطلبة ؛ طلبنا أن تكرم كل فرد ممن يتصف بالطلب ، بينما عندما أقول لك : أكرم طالباً، هنا المراد واحد ولكنه غير معيَّن ، إذا أكرمت أي واحد ممن يتصف بالطلب تكون ممتثلاً ، هذا يسمى مطلقاً لأنه غير معين فالمراد منك أن تكرم واحداً من الطلبة لكنه غير معين ، هذا معنى الإطلاق .

وأما المقيَّد لغة : ما جُعل فيه قيد من بعير ونحوه يسمى مقيَّد قيَّدت الدابة أي ربطتها .

والمقيد اصطلاحاً : ما دل على الحقيقة بقيد مثل : أكرِم رجلاً كريماً أو فقيهاً ، هنا المراد أن تكرم رجلاً ، شخصاً يتصف بالرجولة ولكن ليس على الإطلاق ، بل مقيداً بقيد وهو أن يكون هذا الرجل كريماً ، هذا يسمى مقيدا كقول الله تبارك وتعالى { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } [النساء 92/ ] لو وقفنا هنا وقلنا } فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ { ، هذا مطلق ، رقبة هنا مطلقة لأنها دلت على الحقيقة وهي غير مقيدة ، وعمومها بدلي وليس شمولياً فالمراد بـ { تحرير رقبة } ؛ أن تعتق رقبة واحدة ولكنها غير معيّنة ، بخلاف لو قلنا : فتحرير الرقبة وكانت " أل" هذه استغراقية فهنا تكون الرقبة عامة بجميع ما يتصف بالرق المقصود بالرقبة هنا ؛ الرقيق العبد أو الأمة فهذا عام .

ولكن في قول الله تبارك وتعالى { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } هذا مقيد قُيِّدت هذه الرقبة بالإيمان ، فاللفظ المطلق عندنا ها هنا الرقبة ، والقيد هو : {مؤمنة} .

متى يحمل المطلق على المقيد

يُحمل المطلق على المقيد إذا اتحد الحكم ، مثاله قول الله تبارك وتعالى في كفارة الظهار } فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا] { المجادلة / [3وقال في كفارة القتل}فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ] { النساء /92 [ ففي كفارة الظهار أطلق فقال { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا } ولم يقيد الرقبة هنا لا بإيمان ولا بغيره أما في كفارة القتل فقال { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } فقيَّد الرقبة بالإيمان ، فهل نقول بأن كفارة الظهار يجوز فيها أن تعتِق رقبة سواء كانت مؤمنة أم كافرة ، ولكن في كفارة القتل لا يجوز إلا أن تكون مؤمنة ؟ أم نقول نقيد المطلق بالمقيَّد ، ونقول بما أن كفارة الظهار جاءت فيها الرقبة مطلقة وفي كفارة القتل جاءت مقيدة ، والحكم واحد وهو تحرير رقبة هنا وتحرير رقبة هنا فالحكم واحد ؟

الجواب : نقول بتقييد المطلق وحمله على المقيد ؛ والرقبة يجب أن تكون مؤمنة في كفارة الظهار وفي كفارة القتل .

لماذا حملنا المطلق على المقيد ؟

لأن الحكم اتحد ؛ في الأولى ؛ وهو تحرير رقبة وفي الثانية تحرير رقبة فنحمل المطلق على المقيد ؛ فنقول يجب أن تكون الرقبة مؤمنة في كفارة الظهار وفي كفارة القتل .

إذاً فـ الضابط في حمل المطلق على المقيد هو اتحاد الحكم . أما إذا اختلف الحكم فلا نحمل المطلق على المقيد .

إذاً فالفرق بين العام والمطلق هو أن العام عمومه شمولي يشمل كل فرد من أفراد اللفظ ، وأما المطلق فعمومه بدلي أي لا يشمل جميع الموصوفين ولكن يراد واحد أو اثنين أو ثلاث ولكنهم غير معينين .
فهذا ما يتعلق بالمطلق والمقيد .
ثم قال المؤلف رحمه الله : " ويجوز تخصيص الكتاب بالكتاب ، وتخصيص الكتاب بالسنة ، وتخصيص السنة بالكتاب ، وتخصيص السنة بالسنة ، وتخصيص النطق بالقياس ، ونعني بالنطق قول الله وقول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم "
قوله : " يجوز تخصيص الكتاب بالكتاب " مثال ذلك قول الله تعالى { وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } [البقرة /221 ] هذا نهي عن نكاح جميع المشركات ؛ لأن كلمة المشركات لفظ عام لدخول الألف واللام الاستغراقية عليه فيشمل كل مشركة ومنهن - من المشركات - نساء أهل الكتاب ؛ ولكنها خُصَّصت بقوله تعالى { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ } [المائدة / 5 ] أي أحل الله سبحانه وتعالى في هذه الآية المحصنات من نساء الذين أوتوا الكتاب . إذا في الآية الأولى - وهي عامة - دخل نساء أهل الكتاب في لفظ المشركات ، والآية الثانية خاصة تتحدث عن خصوص نساء أهل الكتاب بأنهن حِلٌ لنا ، إذاً هنا نخصِّص الآية العامة بالآية الخاصة فنقول : يَحرم نكاح المشركات إلا نساء أهل الكتاب ، فهكذا يكون التخصيص ؛ إلا نساء أهل الكتاب . هذا تخصيص منفصل ؛ فالأولى آية والثانية آية ثانية منفصلة عنها تماماً فهذا تخصيص منفصل وهو من تخصيص الكتاب بالكتاب خصصنا القرآن بالقرآن آية بآية وهذا لا إشكال فيه .
ثم قال : " وتخصيص الكتاب بالسنة " ومثاله : {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } [النساء /11 ] تأمل هذه الآية هي عامة في الأولاد وجاء العموم فيها بالإضافة ، فـ" أولاد " أضيفت للضمير فهي عامة فتشمل جميع الأولاد ، خُصَّت بالسنة بأن الأنبياء لا يوصون في قوله - صلى الله عليه وسلم - :" لا نورَثْ ما تركنا صدقة " ، وأيضاً بقوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " فقوله : لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم يُخرج الأولاد الكفار ، فهؤلاء لا يرثون من آبائهم المسلمين وكذلك العكس فنخصص هذه الآية بخصوص هذا الحديث .
وأما " تخصيص السنة بالكتاب " فمثل قول النبي - صلى الله عليه وسلم : " لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ" خُصَّ هذا الحديث بقوله تعالى { وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الغائط أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ } [ النساء43/ ] فلا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ إلا من لم يجد الماء أو عجز عنه فيتيمم فيقبل منه ، فخصصنا هذه السنة بهذه الآية .
وأما " تخصيص السنة بالسنة " فقال - صلى الله عليه وسلم - : في الزكاة " فيما سقت السماء العشر " ، هذا عام يشمل القليل والكثير ويشمل كل ما يخرج من الأرض وسقته السماء ففيه العشر يشمل الخضراوات والحبوب والثمار وغيرها فقوله" : فيما" هذا لفظ عام يشمل كل شيء " ما " من ألفاظ العموم كما تقدم معنا فخُص هذا الحديث بقوله - صلى الله عليه وسلم -:" ليس في ما دون خمسة أوسق صدقة" فهنا خُص ما يخرج منه الزكاة بما يُكال فقط لأنه قال :"خمسة أوسق " وهو مكيال ، وخَص أيضاً الزكاة فيما كان خمسة أوسق وأكثر ، وأما أقل من ذلك ؛ فلا زكاة فيه ؛ فقال: " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " بينما الحديث الأول قال : فيما سقت السماء العشر، سواء كان أقل من خمسة أوسق أو أكثر ، فلما جاء هذا الحديث خصصناه به ؛ لأن ذاك عام وهذا خاص والعام يخصص بالخاص .
وأما " تخصيص النطق بالقياس " - والنطق هو الكتاب والسنة - ؛ فنحو قول الله تبارك وتعالى { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور/2] الزانية تشمل الحرة والأَمة ، والزاني تشمل الحر والعبد .

لكن هذا خُص بقوله تعالى : { فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ } [ النساء / 25 ] فهذه الآية خصصت الآية الأولى - وليس هذا محل الشاهد ؛ فنحن نتحدث عن تخصيص الكتاب بالقياس- خصصت هذه الآية الآية الأولى ؛ بأن الأمة لها حكم مستقل وهو أنها إذا زنت فعليها نصف ما على الحرة من العذاب ، وهذا تخصيص الكتاب بالكتاب وقد تقدم معنا ، لكن ما حكم العبد إذا زنى ؛ فإنه مازال باقٍ تحت العموم في قوله : { الزانية والزاني } ، فماذا نقول فيه ؟ هل نقيسه على الأمة ونقول هو أيضاً عليه نصف ما على الحر من العذاب قياساً على الأمة ؛ فنكون قد خصصنا عموم قوله تبارك وتعالى : {والزاني } الذي يشمل الحر والعبد ؛ نكون قد خصصناه بقياس العبد على الأمة ؟

من قال بجواز تخصيص عموم الكتاب بالقياس قال نعم نخصص والعبد هنا عليه نصف ما على الحر من العذاب إن هو زنى فيجلد خمسين جلدة بخلاف الحر ، هذه صورة ومثال لتخصيص الكتاب بالقياس .
وأما تخصيص السنة بالقياس فنحو قوله - صلى الله عليه وسلم -:" البكر بالبكر جلد مئة وتغريب عام " خُص هذا بقياس العبد على الأمة في تنصيف العذاب كالقياس الذي تقدم معنا خصصنا به هذا الحديث أيضاً كما خصصنا به الآية، فعموم قوله عليه السلام " البكر بالبكر " يشمل الحر والعبد وقد خصصنا عموم الحديث بالقياس ؛ بقياس العبد على الأمة فقلنا بتنصيف العذاب والاقتصار على خمسين جلدة .

وقال بعض أهل العلم : العموم يبقى على عمومه ولسنا بحاجة إلى تخصيصه بالقياس فالعموم حجته أقوى من حجة القياس ، ولكن صح عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه خصص السنة بالقياس .
ثم بدأ المصنف - رحمه الله - في المجمل والمبين وبهذا نكون قد انتهينا من مبحث العام والخاص والمطلق والمقيد .
وهذه المباحث كلها مباحث مهمة جداً من الناحية العملية.

قائمة الخيارات
0 [0 %]
بقلم: أبي الحسن علي الرملي
الثلاثاء 22 ذو القعدة 1432
عدد المشاهدات 5693
عدد التحميلات 96
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق