الثلاثاء 8 شوال 1445 هـ
16 ابريل 2024 م
جديد الموقع   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (124-129)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (117-123)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (111-116)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (107-110)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (97-106)   تفسير القرآن: ‌‌تفسير سورة التوبة 94-96   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-48، كتاب الوضوء، الحديث 170و171و172و173و174و175   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-47، كتاب الوضوء، الحديث 166و167و168و169   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-46، كتاب الوضوء، الحديث 162و163و164و165   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-45، كتاب الوضوء، الحديث 157و158و159و160و161      

الدرس السابع

[المجلس السابع]
بدأ المؤلف بالأمر والنهي فقال رحمه الله ": والأمر : استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب " فهذا تعريف الأمر في الاصطلاح ومعنى ما ذكره – رحمه الله - :
"الأمر: استدعاء" أي : طلب، فالمقصود بالاستدعاء الطلب.
"استدعاء فعل " : أي طلب فعل ، ويدخل في ذلك القول ؛ لأنه فعل اللسان ، فاستدعاء فعل يعني أن يُطلب من الإنسان فعلٌ سواء كان قولاً أو فعلاً - القول باللسان والفعل بالجوارح - .
وخرج بقوله استدعاء - أي طلب - خرج ما ليس بطلب ،فالخبر ليس بطلب فلا يدخل في الاستدعاء كقولك : ذهب زيد ، فهذا ليس أمراً فليس فيه طلب .
وخرج بقوله: استدعاء فعل ؛ النهي فالنهي استدعاء ترك ،أي طلب ترك وليس طلب فعل ، فقوله : استدعاء ، يشمل طلب الفعل وطلب الترك وبقوله استدعاء فعل أخرج طلب الترك وهو النهي ، فبقي عندنا طلب الفعل ، فالأمر طلب فعل .
ثم قال:" بالقول " فاستدعاء الفعل بالقول أي الأمر ، أي طلب الفعل بالقول كقولك : اقرأ , اذهب ,اجلس ، فأنت طلبت القراءة وطلبت الذهاب وطلبت الجلوس .
و أخرج بهذا القيد الكتابة والإشارة فإذا كتبت لشخصٍ : اجلس ؛ فهذا ليس أمراً على قول المؤلف ، وكذلك الإشارة إذا أشرت لشخصٍ أن اجلس فليس هذا بأمر عند المصنف وإن أفادت هي في الأصل معنى الأمر لكنها ليست أمراً .
ثم قال" : ممن هو دونه" استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه ، يعني أن الآمر وهو الذي أمر أعلى من المأمور قدراً هكذا يكون الأمر عند المصنف رحمه الله ، فيجب أن يكون الآمر أعلى قدراً من المأمور كي يسمى أمراً . فإذا كان الطلب من الأعلى إلى الأدنى سمي أمراً ، وإذا كان الطلب من الأدنى إلى الأعلى - بالعكس - سمي دعاءً وسؤالاً ، كطلب العباد من الله تبارك وتعالى : اللهم اغفر لي ، فهذا سؤال ودعاء وليس أمراً لأنه من الأدنى للأعلى ،فالطالب الآن هو الأدنى والمطلوب منه هو الأعلى ، هذا يسمى سؤالاً ، وإذا كان الطلب من المساوي- لا أعلى ولا أدنى - شخص يساويه في القدر أي الطالب مساوٍ للمطلوب فهذا يسمى التماساً ، كأن يطلب الشخص من صديقه مثلاً أن يحضر له ماءً أو أن يعد له طعاماً أو أن يشرح له درساً هذا يسمى التماساً لأنه من مساوٍ له قدراً .
فإذاً أصبحت عندنا القسمة ثلاثية :
إما من الأعلى للأدنى وهذا أمر .
أو من الأدنى للأعلى وهذا سؤال .
أو من المساوي وهذا التماس .
فالظاهر من كلام المصنف أن الأمر لا يكون أمراً إلا إذا كان من الأعلى إلى الأدنى حقيقة ، أي في حقيقة الأمر الآمر هو أعلى قدراً من المأمور في الواقع ، فيكون العلو صفة للآمر .
وعلى قوله هذا إذا دخل سارق - مثلاً - بيت أحد الأفاضل الذي هو أعلى من السارق قدراً وطلب السارق من صاحب البيت أن يعطيه مالاً على وجه الغلظة والشدة وعلى صورة التهديد لا يسمى هذا أمراً عند المصنف ؛ والصحيح أنه أمر ، فالمعتبَر في الأمر صفة الأمر لا صفة الآمر أي أنك لا تنظر إلى الآمر في الواقع أهو أعلى قدراً أم أدنى قدراً ولكنك تنظر إلى صفة الأمر نفسه هل الأمر خرج بغلظة وشدة أم خرج بعبارة لطيفة هادئة ؟ فإذا كان بغلظة وشدة ، على وجه التأكيد فهذا يسمى أمرا أما إذا كان برفق ولين فهذا لا يسمى أمراً ، وهذا الذي يعبر عنه بعض أهل العلم في التعريف بقولهم : على وجه العلو أو على وجه الاستعلاء – على خلاف بينهم في التعبير عنه - فما ذهب إليه المصنف : استدعاء الفعل بالقول على وجه العلو ، والصحيح أن يقال : استدعاء الفعل بالقول على وجه الاستعلاء .
وقال المصنف في آخر التعريف :" على سبيل الوجوب " يعني أن يكون الأمر واجباً فأخرج بذلك المندوب الذي ورد بصيغة الأمر وغيره مما ورد بصيغة الأمر ، والصحيح أنه أمرٌ أيضا ، دلت القرينة على أنه لغير الوجوب ؛ لأنه طاعة والطاعة فعل المأمور به ، ونقلوا أيضاً اتفاق أهل اللغة على أن الأمر ينقسم إلى أمرِ إيجاب وأمرِ ندبٍ .
فالصحيح أن نقول في التعريف
الأمر :هو استدعاء الفعل بالقول على وجه الاستعلاء .
ثم قال المؤلف رحمه الله : والصيغة افعل ، الصيغة الدالة على الأمر افعل أي ما كان على هذا الوزن نحو اضرب ,أكرم ,اشرب وهكذا .
قال : عند الإطلاق والتجرد عن القرينة تُحمل عليه أي تحمل على الوجوب ، يعني صيغة الأمر افعل عند الإطلاق وعدم تقييدها بشيء يدل على المراد منها ، وتجردها عن دليل يدل على أنها لغير الوجوب ؛ تُحمل على الوجوب . هذا معنى كلامه وبعبارة أخرى :
الأمر المطلق يفيد الوجوب أو الأمر للوجوب
هذا هو الأصل الأمر للوجوب . فالأمر يقتضي الوجوب ما لم يأتِ دليل يدل على أنه لغير الوجوب نحو قول الله تعالى { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ }[ البقرة/43] أقيموا : أمر والأمر للوجوب ، فإقامة الصلاة واجبة هذا هو الأصل . إلا إذا وجد دليل يدل على أنه لغير الوجوب مثل قول الله تعالى { وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ ]البقرة /282] فالآن ؛ أشهدوا هذه أمر أصلها أشهِدْ جاءت على وزن افْعَل ، والأصل في الأمر أنه للوجوب فهل يجب الإشهاد على البيع ؟
لا يجب الإشهاد ؛ لماذا ؟ لأننا قلنا الأصل في الأمر الوجوب ما لم يأتِ دليل يدل على خلاف ذلك ، وهاهنا جاء دليل إذاً نطالبك بالدليل ، إما أن تسلِّم معي بأنه للوجوب أو أن تأتي بالدليل الذي صرفه عن الوجوب ، فما هو؟ أقول لك: ورد دليل يدل على أن الأمر هنا للاستحباب لا للوجوب وهو أنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه اشترى فرساً من أعرابي ولم يُشهد ، فعلمنا بذلك أنه للاستحباب إذ لو كان للوجوب لأشهد النبي - صلى الله عليه وسلم .
ولكن ما الدليل على أن الأمر للوجوب ؛ أي مالدليل على تقعيد هذه القاعدة الأصولية ؟
الدليل عليها قول الله تبارك وتعالى { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }[ النور / 63 ] ، فمن خالف أمر الله تبارك وتعالى هو معرَّض إما للفتنه أو للعذاب الأليم فهذا يقتضي أن الأمر للوجوب .
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :" لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " الأمر الذي يقتضي المشقة هو الأمر الواجب والذي ليس بواجب لا يقتضي مشقة إذاً هذا يدل على أن الأمر الأصل فيه أنه للوجوب ما لم يأتِ ما يدل على أن المراد منه غير ذلك .
ثم قال رحمه الله : إلا ما دل الدليل على أن المراد منه الندب أو الإباحة فيُحمل عليه ، أي أن الأصل في الأمر الوجوب إلا إذا ورد دليل يدل على أن المراد الاستحباب أو الإباحة فيُحمل على ما دل عليه إما على الاستحباب أو على الإباحة . وقد مثَّلنا فيما تقدم في الأمر الذي يُحمل على الاستحباب بالإشهاد .
فأما الأمر الذي يحمل على الإباحة فكقول الله تبارك وتعالى{ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ } [المائدة /2 ] ، حُرِّم على المُحرِم أن يصطاد الصيد ثم بعد الإحلال أُمر بالصيد في هذه الآية المذكورة { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ } أي افعلوا فهي أمر، فهل يجب على كل مَنْ حَلَّ من إحرامه أن يذهب ويصطاد أو يُستحب له ذلك ؟ لا يجب عليه ولا يستحب له ، لماذا ؟ أليس في الآية أمر ؟ بلى ؛ إذن لماذا لم تحمل على الوجوب ولا على الاستحباب؟ قلنا لأن القاعدة الأصولية تقول : إن الأمر بعد الحظْر للإباحة يعني أنه إذا حُرِّم عليك فعلٌ ما ثم جاء الأمر به فالأمر هنا لا يكون للوجوب ولكن لرفع الحظر فقط ، الأمر يكون لرفع الحظر ورد الحكم إلى الإباحة فقوله { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ } أي فقد حَلَّ لكم الصيد بعدما حَرُمَ عليكم فهذه قرينة صارفة من الوجوب إلى الإباحة .
ثم قال رحمه الله : ولا يقتضي التكرار على الصحيح إلا إذا دل الدليل على قصد التكرار . يقول رحمه الله : أن الأمر في أصله لا يقتضي التكرار إلا إذا دل الدليل على قصد التكرار ، ما معنى أنه يقتضي التكرار أو لا يقتضيه ؟ الأمر لا يقتضي التكرار : أي أنك إذا أُمِرت بأمر ففعلته مرة واحدة بَرِأَت ذمتك بهذه المرة ولا يلزمك أن تفعله في كل مرة ، هذا معنى أنه لا يقتضي التكرار ، وإذا قلت بأنه يقتضي التكرار أي يلزمك أن تفعله مرة بعد مرة بعد مرة فمجرد أن يأتي أمر ليس فيه ما يدل على أن الأمر يقتضي التكرار أو لا يقتضيه على ماذا يُحمل ؟ يحمل على أن التكرار غير مراد هذا ما ذكره المؤلف قال : " ولا يقتضي التكرار على الصحيح " إشارة إلى أن في المسألة خلاف ، إذاً إذا جاءت قرينة تدل على أن الأمر للتكرار فلا إشكال وإذا جاءت قرينة تدل على أن الأمر لغير التكرار فلا إشكال لكن إذا لم تأتِ قرينة تدل على أنه للتكرار ولا لغير التكرار ؟ فكما قال المؤلف : لا يقتضي التكرار هذا هو الأصل لماذا ؟ لأن الامتثال للأمر يحصل بمرة واحدة والأصل براءة الذمة مما زاد عليها فإذا كَلَّفنا الشخص أن يأتي بالأمر مرة ثانية وثالثة يجب علينا أن نأتي بدليل فإذا قيل لك : اضرب رجلا فتكون ممتثلا بضرب رجل واحد ولا تلام بترك التكرار بل يُلام من لامك على الترك إذاً الصحيح أن الأصل في الأمر أنه لا يقتضي التكرار ، فإذا قلتُ لك : اسقني ماءً وأتيتني بكأس ماء لا يلزمك أن تعيد وتكرر السُقيا وإن لُمتك على عدم التكرار أكون أنا المُلام لا أنت .
ثم قال المؤلف رحمه الله : ولا يقتضي الفَوْر ما معنى لا يقتضي الفور ؟ الأمر لا يقتضي الفور يعني لا يقتضي الاستعجال والمبادرة إلى العمل دون تأخير ، فعندما يقال لك الأمر يقتضي الفور أي أنك بمجرد أن تسمع الأمر وجب عليك الامتثال مباشرة باستعجال وتبادر إلى العمل ولا تؤخِّر ، وقول المؤلف" : ولا يقتضي الفور" خطأ ،و الصواب أن الأمر على الفور وأن الأمر يقتضي الفور ، لا شك أنه إذا وردت قرينة تدل على أنه للفور فهو للفور وإذا وردت قرينة تدل على أنه على التراخي لا على الفور فهو على التراخي لكن إذا لم ترد هذه القرينة فالأصل فيه أنه على الفور خلافاً للمؤلف ، فالمؤلف يرى أنه على التراخي والصواب أنه للفور لقول الله تبارك وتعالى { فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ } [البقرة/148] فهذا أمر بالاستعجال بالأعمال الخيرة قال { وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } [ آل عمران/133 ] ووجه الدلالة واضح وقال { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } [ الحديد/ 21 ] مسابقة تستلزم الإسراع ، فهذه الأدلة كلها تدل على أن الأصل في الأمر أنه على الفور .
ثم قال المؤلف رحمه الله" : والأمر بإيجاد الفعل أمرٌ به وبما لا يتم الفعل إلا به كالأمر بالصلاة أمر بالطهارة المؤدية إليها" الأمر بإيجاد الفعل أمر به وبما لا يتم الفعل إلا به ، أُمِرتَ بالصلاة لكن الصلاة لا تصح إلا بوضوء إذاً فيجب عليك أن تتوضأ كي تصلي فالأمر بإيجاد الفعل وهو الصلاة في مثالنا أمرٌ به فهو أمرٌ بالصلاة وبما لا تتم الصلاة إلا به وهي الطهارة ،و هذه القاعدة عند الأصوليين يعبرون عنها بقولهم:
ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، كالطهارة للصلاة ، وما لا يتم المستحب إلا به فهو مستحب فإن الصلاة لا تصح بدون الطهارة والصلاة واجبة فالطهارة واجبة فالأمر بالصلاة أمرٌ بالطهارة ، وكالسفر للحج الأمر بالحج أمرٌ بالسفر الذي لا يتم الحج إلا به ، والسفر للعمرة فالعمرة مستحبة فالسفر إليها مستحب هذا معنى هذه القاعدة .ثم قال المؤلف رحمه الله : وإذا فُعِل يخرج المأمور عن العهدة ، إذا فُعل ما أمر به الشخص ، خرج عن العهدة يعني متى جاء الإنسان بما أُمر به فإنه يخرج عن عهدة الواجب أي أنه يَسقط عنه الواجب أي إذا أتى بما أُمر به سقط عنه الوجوب . وهذه القاعدة عند الأصوليين يعبرون عنها بقولهم :
الأمر يقتضي إجزاء المأمور به أي أن المكلف إذا أُمر بشيء وفَعَله كما أُمر به حُكم بخروجه عن العهدة وهذا معنى الإجزاء فلا يُطلب منه الفعل مرة أخرى ، إذا فعله كما أُمر به سقط عنه ، فمن لم يكن واجداً للماء مثلاً فبحث عنه فلم يجده فصلى بالتيمم ثم وجد الماء بعدما صلى ولا يزال الوقت لم يخرج هل يؤمر بالإعادة ؟ نقول : الأمر يقتضي إجزاء المأمور به بناءً على هذه القاعدة لا يلزمه الإعادة لماذا ؟ لأنه فعل المأمور به كما أُمر بقوله تعالى { فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ } [ النساء/43] فمثل هذا لا نطلب العمل منه مرة ثانية لأنه فعله على الوجه الذي طُلب منه فيكون عمله هذا مجزئاً عنه .هذا معنى ما ذكره المؤلف هاهنا . والله أعلم



قائمة الخيارات
0 [0 %]
بقلم: أبي الحسن علي الرملي
الاربعاء 27 شعبان 1432
عدد المشاهدات 4068
عدد التحميلات 92
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق