الثلاثاء 8 شوال 1445 هـ
16 ابريل 2024 م
جديد الموقع   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (124-129)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (117-123)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (111-116)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (107-110)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (97-106)   تفسير القرآن: ‌‌تفسير سورة التوبة 94-96   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-48، كتاب الوضوء، الحديث 170و171و172و173و174و175   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-47، كتاب الوضوء، الحديث 166و167و168و169   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-46، كتاب الوضوء، الحديث 162و163و164و165   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-45، كتاب الوضوء، الحديث 157و158و159و160و161      

تفسير سورة آل عمران 109-112

تفسير سورة آل عمران 109-112

{وَلِلهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109)}

{وَلِلهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} أي الجميع مِلك له وعبيد له {وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} أي إلى الله مصير الخلقِ كلِّهم، الصالح والطالح، والمحسن والمسيء، فيجازي كلاً منهم ما يستحقه من غير أن يظلم أحداً منهم.

{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)}

{كُنْتُمْ} أي أنتم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: معناه كنتم خير أمة عند الله في اللوح المحفوظ، المهم أن الخيرية باقية ومستمرة، فلا يفهم من قوله (كنتم) أن الخيرية كانت في الماضي ثم انتهت، لا، فالمعنى المراد: أنتم خير أمة، كما في قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} [الأنفال: 26] ، وقد قال في موضع آخر: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ} [الأعراف: 86] فإدخال «كان» في مثل هذا وإسقاطها بمعنى واحد؛ لأن الكلام معروف معناه {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} أي ما أخرج الله للناس أمة خيراً من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أخرج البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، قَالَ: «خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلاَسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ، حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الإِسْلاَمِ». انتهى، والمعنى أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس.

قال تعالى: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} تأمرون بالإيمان بالله ورسوله، والعمل بشرائعه {وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} وتنهون عن الشرك بالله، وتكذيب رسوله، وعن العمل بما نهى عنه.

قال ابن جرير الطبري رحمه الله: وأصل المعروف: كل ما كان معروفاً، فعلُه جميلاً مستحسناً، غيرَ مستقبَحٍ في أهل الإيمان بالله. وإنما سميت طاعةُ الله معروفاً؛ لأنه مما يعرِفُه أهل الإيمان ولا يستنكرون فعله، وأصل المنكر: ما أنكره اللهُ، ورأَوه قبيحاً فعلُه، ولذلك سُميت معصيةُ الله منكراً، لأن أهل الإيمان بالله يستنكرون فعلَها، ويستعظمون رُكوبَها. انتهى

{وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} تصدقون بالله، فتخلصون له بالتوحيد والعبادة، وتنقادون لأمره.

ذكر هنا ابن كثير رحمه الله جملة من الأحاديث التي تدل على فضل هذه الأمة، ثم قال: فهذه الأحاديث في معنى قوله تعالى: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ}، قال: فمن اتصف من هذه الأمة بهذه الصفات دخل معهم في هذا الثناء عليهم والمدح، كما قال قتادة: بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حجة حجها، رأى من الناس سرعة ، فقرأ هذه الآية: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} ثم قال: من سره أن يكون من تلك الأمة، فليؤد شرط الله منها، رواه ابن جرير، ومن لم يتصف بذلك أشبه أهلَ الكتاب الذين ذمهم الله بقوله تعالى: { كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ } الآية، ولهذا لمّا مدح تعالى هذه الأمة على هذه الصفات؛ شرع في ذم أهل الكتاب وتأنيبهم، فقال تعالى: {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ} أي بمحمد صلى الله عليه وبما أنزل عليه {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} عند الله في دنياهم وآخرتهم {مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ} يعني من أهل الكتاب من اليهود والنصارى، المؤمنون المصدقون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاءهم به من عند الله، منهم عبد الله بن سلَام كان يهودياً وأسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وصار صحابياً فاضلاً {وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} أي قليل منهم من يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم، وأكثرهم على الضلالة والكفر والفسق والعصيان.

{لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111)}

{لَنْ يَضُرُّوكُمْ} هؤلاء الكفار من أهل الكتاب بكفرهم أيها المؤمنون {إِلَّا أَذًى} إلا ما تسمعونه منهم من كفرهم ودعوتهم لكم إليه، قال ابن كثير: ثم قال تعالى مخبراً عباده المؤمنين ومبشراً لهم أن النصر والظَّفَر لهم على أهل الكتاب الكفرة الملحدين، فقال تعالى: { لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} وهكذا وقع، فإنهم يوم خيبر أذلهم الله وأرغم أنوفهم، وكذلك مَن قبلهم مِن يهود المدينة بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة كلُّهم أذلهم الله، وكذلك النصارى بالشام كسرهم الصحابة في غير ما موطن، وسلبوهم ملك الشام أبد الآبدين ودهر الداهرين، ولا تزال عصابة الإسلام قائمة بالشام حتى ينزل عيسى ابن مريم وهم كذلك، ويحكم بملة الإسلام وشرع محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ولا يَقبل إلا الإسلام. انتهى {وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ} أهلُ الكتاب من اليهود والنصارى {يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ} كناية عن انهزامهم؛ لأن المنهزم يحول ظهره إلى جهة الطالب هرباً إلى ملجأ، فيصير دبره إلى جهة وجه طالبه، أي يفروا منهزمين {ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} ثم لا ينصرهم الله عليكم لكفرهم بالله ورسولِه، وإيمانِكم بما آتاكم نبيُّكم محمدٌ صلى الله عليه وسلم.

{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112)}

{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ} أي على اليهود {الذِّلَّةُ} أي ألزمهم الله الذلة والصَّغار والهوان {أَيْنَ مَا ثُقِفُوا} أينما ما وجدوا { إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ} يعني: أينما وجدوا استضعفوا وقتلوا أو سبوا فلا يأمنون إلا بحبل أي بذمة من الله، وهو عقد الذمة لهم وضرب الجزية عليهم وإلزامهم أحكام الملة {وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} أو عهد من الناس أي أمان منهم {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ} أي رجعوا بغضب الله وانقلبوا به ولزمهم غضب الله { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ} أي وجعلت عليهم وألزموا {الْمَسْكَنَةُ} ذلُّ الفقر ، فترى اليهود وإن كانوا مياسير كأنهم فقراء؛ لأن الفقر حقيقة فقر القلب {ذَلِكَ} الذلة والمسكنة والغضب لزمهم {بِأَنَّهُمْ} أي بسبب أنهم {كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ} يجحدون أدلته على صدق أنبيائه، وما فرضَ عليهم من فرائضه {وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ} قتلوا غير واحد من أنبياء الله تبارك وتعالى {بِغَيْرِ حَقٍّ} بالباطل، ولا يقتل نبي إلا بالباطل {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا} أي إنما حملهم على الكفر بآيات الله وقتل رسل الله؛ أنهم كانوا يكثرون العصيان لأوامر الله عز وجل {وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} يتجاوزون الحلال إلى الحرام؛ فالعصيان الخروج عن الطاعة، والاعتداء مجاوزة الحد.

قال الإمام الطبري رحمه الله: فَأَعْلَمَ رَبُّنَا جَلَّ ثناؤُهُ عِبَادَهُ، مَا فَعَلَ بِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، مِنْ إِحْلَالِ الذِّلَّةِ وَالْخِزْيِ بِهِمْ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا، مَعَ مَا ادَّخَرَ لَهُمْ فِي الْآجِلِ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَالنَّكَالِ، وَأَلِيمِ الْعَذَابِ، إِذْ تَعَدَّوْا حُدُودَ اللهِ، وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُ؛ تَذْكِيرًا مِنْهُ -تَعَالَى ذِكْرُهُ- لَهُمْ، وَتَنْبِيهًا عَلَى مَوْضِعِ الْبَلَاءِ الَّذِي مِنْ قِبَلِهِ أُتُوْا؛ لِيُنِيبُوا وَيَذَّكَّرُوا وَعِظَةً مِنْهُ لِأُمَّتِنَا أَنْ لَا يَسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِمْ، وَيَرْكَبُوا مَنْهَجَهُمْ، فَيُسْلُكَ بِهِمْ مَسَالِكَهُمْ، وَيُحِلَّ بِهِمْ مِنْ نِقَمِ اللهِ وَمَثُلَاتِهِ مَا أَحَلَّ بِهِمْ. انتهى

التعليقات عدد التعليقات (0)

اضافة تعليق
قائمة الخيارات
0 [0 %]
السبت 10 ذو القعدة 1442
عدد المشاهدات 133
عدد التحميلات 6
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق