الثلاثاء 8 شوال 1445 هـ
16 ابريل 2024 م
جديد الموقع   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (124-129)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (117-123)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (111-116)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (107-110)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (97-106)   تفسير القرآن: ‌‌تفسير سورة التوبة 94-96   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-48، كتاب الوضوء، الحديث 170و171و172و173و174و175   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-47، كتاب الوضوء، الحديث 166و167و168و169   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-46، كتاب الوضوء، الحديث 162و163و164و165   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-45، كتاب الوضوء، الحديث 157و158و159و160و161      

تفسير سورة آل عمران 93-97

تفسير سورة آل عمران 93-97

{كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93)}

{كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا} أي حلالاً {لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} أي لأولاد يعقوب عليه السلام {إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ} إلا الطعام الذي حرمه إسرائيل -أي يعقوب عليه السلام- على نفسه قبل أن يُنزِل الله تبارك وتعالى التوراة على موسى عليه السلام؛ وكان يعقوب عليه السلام أصابه مرض شديد، وطال مرضه، فنذر إن شفاه الله منه أن يحرم على نفسه أحب الطعام والشراب إليه، فشفاه الله فحرم على نفسه لحوم الإبل وألبانَها، فحرم بنو إسرائيل على أنفسهم لحوم الإبل وألبانَها اتباعاً لأبيهم يعقوب عليه السلام، ولم يحرمها الله تبارك وتعالى عليهم قبل أن يُنزل التوراة، حتى نزلت التوراة، فحرم الله عليهم فيها ما شاء، وأحل لهم فيها ما شاء.

وإسرائيل هو يعقوب عليه السلام، له اسمان يعقوب وإسرائيل.

أخرج أحمد والترمذي وغيرهما حديثاً طويلاً قَالَ فيه ابْنُ عَبَّاسٍ: حَضَرَتْ عِصَابَةٌ مِنَ الْيَهُودِ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، حَدِّثْنَا عَنْ خِلالٍ نَسْأَلُكَ عَنْهُنَّ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلا نَبِيٌّ، قَالَ: " سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ، وَلَكِنِ اجْعَلُوا لِي ذِمَّةَ اللَّهِ، وَمَا أَخَذَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلامُ، عَلَى بَنِيهِ: لَئِنْ أَنَا حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا فَعَرَفْتُمُوهُ، لَتُتَابِعُنِّي عَلَى الْإِسْلَامِ " قَالُوا: فَذَلِكَ لَكَ، قَالَ: «فَسَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ» قَالُوا: أَخْبِرْنَا عَنْ أَرْبَعِ خِلَالٍ نَسْأَلُكَ عَنْهُنَّ: أَخْبِرْنَا أَيُّ الطَّعَامِ حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ؟

فذكر الحديث، ثم قال: قَالَ -أي النبي صلى الله عليه وسلم-: «فَأَنْشُدُكُمْ بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ إِسْرَائِيلَ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ، مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا، وَطَالَ سَقَمُهُ، فَنَذَرَ لِلهِ نَذْرًا لَئِنْ شَفَاهُ اللهُ تَعَالَى مِنْ سَقَمِهِ، لَيُحَرِّمَنَّ أَحَبَّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ، وَأَحَبَّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَحَبَّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ لُحْمَانُ الْإِبِلِ، وَأَحَبَّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ أَلْبَانُهَا؟» قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ". انتهى باختصار والحديث ثابت بطرقه إن شاء الله.

{قُل} يا محمد {فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا} حتى يتبين لكم أنه كما قلت {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} فلم يأتوا، فقال الله عز وجل:

{فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94)}

{ فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} أي فمن كذب على الله وادعى أنه شرع لهم السبت والتمسك بالتوراة دائماً، وأنه لم يَبعث نبياً آخر يدعو إلى الله بالبراهين والحجج، بعد هذا الذي بيناه من وقوع النسخ وظهور ما ذكرناه {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } أي المتجاوزون الحق إلى الباطل.

{قُلْ صَدَقَ اللهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95)}

{قُلْ صَدَقَ اللهُ} أي قل يا محمد صدق الله فيما أخبر به وفيما شرعه في القرآن {فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} أي دين إبراهيم {حَنِيفًا} مائلاً عن الشرك إلى التوحيد {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} بل كان موحداً، أي اتبعوا ملة إبراهيم التي شرعها الله في القرآن على لسان محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإنه الحق الذي لا شك فيه ولا مرية، وهي الطريقة التي لم يأت نبي بأكمل منها ولا أبين ولا أوضح ولا أتم.

{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)}

يخبر تعالى أن أول بيت وضع للناس، أي لعموم الناس، لِعبَادتِهم ونُسكِهم، يُطوفون به، ويُصلون إليه، ويَعتكفُون عنده {لَلَّذِي بِبَكَّةَ} البيت الذي بمكة، يعني الكعبة التي بناها إبراهيم الخليل عليه السلام الذي يزعم كلٌّ من طائفتي النصارى واليهود أنهم على دينه ومنهجه، ولا يحجون إلى البيت الذي بناه عن أمر الله له في ذلك ونادى الناس إلى حجه.

وقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قلت يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال «المسجد الحرام». قلت: ثم أي؟ قال: «المسجد الأقصى» قلت: كم بينهما؟ قال: «أربعون سنة». قلت: ثم أي؟ قال: «ثم حيث أدركت الصلاة فصل فكلها مسجد».

قوله تعالى: {لَلَّذِي بِبَكَّةَ} قال جماعة: هي مكة نفسها، وقال الآخرون: بكة موضع البيت في مكة، ومكة اسم البلد كله، وقيل: بكة موضع البيت والمطاف {مُبَارَكًا} أي: ذا بركة {وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} لأنه قبلة للمؤمنين.

{فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)}

{ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} أي دلالات ظاهرة أنه من بناء إبراهيم، وأن الله عظمه وشرفه {مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} وهو الحَجر الذي قام عليه إبراهيم، وكان أثر قدميه فيه، لما ارتفع البناء استعان به على رفع القواعد منه والجدران، حيث كان يقف عليه ويناوله إسماعيل، وقد كان ملتصقا بجدار البيت حتى أخره عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إمارته إلى ناحية الشرق بحيث يتمكن الطواف منه، ولا يشوشون على المصلين عنده بعد الطواف؛ لأن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة عنده حيث قال: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}

{وَمَنْ دَخَلَهُ} أي ومن دخل حَرَم مكة {كَانَ آمِنًا} أي ومن يدخله من الناس مستجيراً به؛ يكن آمنا مما استجار منه، ما كان فيه، حتى يخرج منه، فإذا أصاب حداً كأن يكون قتل شخصاً أو زنا أو سرق، ووجب عليه الحد، يُخرج منه فيقام عليه الحد إن كان فعل الذنب في غير الحرم ثم لجأ إليه، وإن كان فعل الذنب الذي يستوجب الحد في الحرم؛ أقيم عليه الحد في الحرم.

قال ابن عباس: مَنْ قَتَلَ، أَوْ سَرَقَ فِي الْحِلَّ، ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَمَ، فَإِنَّهُ لا يُجَالَسُ، وَلا يُكَلَّمُ، وَلا يُؤْوَى، وَلَكِنَّهُ يُنَاشَدُ حَتَّى يَخْرُجَ، فَيُؤْخَذَ فَيُقَامَ عَلَيْهِ مَا جَرَّ، فَإِنْ قَتَلَ أَوْ سَرَقَ فِي الْحِلِّ فَأُدْخِلَ الْحَرَمَ، فأَرَادُوا أَنْ يُقِيمُوا عَلَيْهِ مَا أَصَابَ أَخْرَجُوهُ مِنَ الْحَرَمِ إِلَى الْحِلِّ، فَأُقِيمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ، أَوْ سَرَق أُقِيمَ عَلَيْهِ فِي الْحَرَمِ ". انتهى

قوله عز وجل: {وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} أي: ولله فرض واجب على الناس حج البيت، والحج أحد أركان الإسلام، وهذه آية وجوب الحج عند الجمهور. وقيل: بل هي قوله {وأتموا الحج والعمرة لله}، والأول أظهر.

وقد وردت الأحاديث المتعددة بأنه أحد أركان الإسلام ودعائمه وقواعده، وأجمع المسلمون على ذلك إجماعا ضروريا، وإنما يجب على المكلف في العمر مرة واحدة بالنص والإجماع.

والاستطاعة نوعان، أحدهما: أن يكون قادرا مستطيعا بنفسه، والآخر: أن يكون مستطيعا بغيره، أما الاستطاعة بنفسه، فأن يكون قادرا بنفسه على الذهاب ووجد الأسباب التي تمكنه من ذلك.

أما الاستطاعة بالغير فهي أن يكون الرجل عاجزا بنفسه، بأن كان به مرض غير مرجو الزوال، لكن له مال يمكنه أن يستأجر به من يحج عنه، يجب عليه أن يستأجر، أو لم يكن له مال بل تطوع ابنه أو غيره أن يحج عنه، يلزمه أن يأمره إذا كان يعتمد صدقه، لأن وجوب الحج يتعلق بالاستطاعة.

قوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ} بإنكار وجوب الحج {فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} فإن الله غني عنه وعن حجه وعمله، وعن سائر خلقه من الجن والإنس.

التعليقات عدد التعليقات (0)

اضافة تعليق
قائمة الخيارات
0 [0 %]
السبت 10 ذو القعدة 1442
عدد المشاهدات 151
عدد التحميلات 7
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق