السبت 12 شوال 1445 هـ
20 ابريل 2024 م
جديد الموقع   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (124-129)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (117-123)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (111-116)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (107-110)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (97-106)   تفسير القرآن: ‌‌تفسير سورة التوبة 94-96   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-48، كتاب الوضوء، الحديث 170و171و172و173و174و175   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-47، كتاب الوضوء، الحديث 166و167و168و169   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-46، كتاب الوضوء، الحديث 162و163و164و165   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-45، كتاب الوضوء، الحديث 157و158و159و160و161      

الآيات 67 -74 من سورة البقرة

تفسير سورة البقرة 67-74

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)}

واذكروا يا بني إسرائيل نعمتي عليكم في خرق العادة لكم في شأن البقرة، وبيان القاتل من هو بسببها، وإحياء الله المقتول، ونصه على من قتله منهم.

فهذا تذكير بنعمة أخرى أنعم الله بها على بني إسرائيل، وذلك أن رجلا منهم قتل رجلا آخر منهم، وموسى عليه السلام موجود بينهم، فاختلفوا وتنازعوا في القاتل من هو، فمنّ الله عليهم بأن أحيى المقتول بالبقرة، وأخبر المقتول من الذي قتله، وانتهى النزاع، وكادوا يقتتلون فيما بينهم ويحدث شر كبير.

ولا حاجة بنا لمعرفة قصة القتل فما نحتاجه من هذه القصة بينه لنا ربنا تبارك وتعالى والزيادات الموجودة في كتب التفسير من أخبار بني إسرائيل لا نصدقها ولا نكذبها إذا لم تخالف شرعنا ولا دل على صدقها شرعنا. هكذا أمرنا فيها، فلا داعي لها.

{وَ} اذكروا {إِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ} بني إسرائيل { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ} فقد جاءهم الحل من الله تبارك وتعالى وهذا نعمة عظيمة منه تبارك وتعالى إذ ستظهر الحقيقة يقينا لا خطأ فيها وستنهي النزاع ولا تبقي حجة لأحد للخلاف {أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} قال مجاهد: «لو أخذوا بقرة ما كانت لأجزأت عنهم». يعني لو أخذوا أي بقرة لكفت وحصل الامتثال للأمر، ولكنهم شددوا على أنفسهم بالسؤال فشدد الله عليهم {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا} يعني : أتستهزئ بنا، نحن نسألك عن أمر القتيل وتأمرنا بذبح البقرة، وإنما قالوا ذلك لبُعد ما بين الأمرين في الظاهر، ولم يدروا ما الحكمة فيه، والهزء السخرية والاستهزاء، قالوا ذلك لاستبعادهم أن يكون ذبح البقرة سبباً لزوال ما بينهم من خلاف وحلٍّ لنزاعهم، ما علاقة ذبح البقرة بموضوعهم؟ هكذا يتساءلون، لذلك ظنوا أن هذا سخرية بهم فـ {قَالَ} لهم موسى{ أَعُوذُ بِاللَّهِ} أي ألتجئ وأعتصم بالله من {أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} يعني السفهاء، لأن السخرية بعباد الله المؤمنين من عمل السفهاء. وقيل: معناه: من الجاهلين بالجواب المناسب للسؤال، لأن الجواب الذي لا يناسب السؤال جهل

{قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68)}

{قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي} : هذا الطلب ليس له وجه؛ لأن اللفظ بيّن: فالبقرة معلومة، والمطلق ليس مجملاً يحتاج إلى بيان. لوضوح معناه؛ فإذا قيل مثلاً: "أكرم رجلاً"؛ فلا يحتاج أن تقول: "ما صفة هذا الرجل"؛ إذا أكرمت أيّ رجل حصل المقصود؛ فلو أنهم ذهبوا، وذبحوا أيّ بقرة، وامتثلوا ما أمرو به لانتهى الأمر؛ ولكنهم تعنتوا، وأكثروا من الأسئلة، فشدد الله عليهم.

{قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي} أي: ما سِنها؟ فسأل موسى الله تبارك وتعالى، فـ{قال} أي موسى {إنه يقول} أي الله عزّ وجلّ {إنها بقرة لا فارض ولا بكر} أي لا كبيرة ولا صغيرة، "البكر": التي لم تلد، ولا قرعها الفحل، فهي صغيرة، و "الفارض" المسنة الكبيرة.

قوله تعالى: {عوان بين ذلك} أي وسط بين السنين. أي بين المذكور وهو كونها فارضاً وبكراً، أي هي بقرة سنها وسط لا هي كبيرة ولا صغيرة.

قوله: {فافعلوا ما تؤمرون} ؛ هذا الأمر من موسى؛ وليس من كلام الله عزّ وجلّ؛ فموسى يقول لبني إسرائيل: افعلوا ما تؤمرون به من ذبح بقرة لا فارض، ولا بكر، ولا تكثروا السؤال، ولا تتعنتوا فيشدد عليكم مرة ثانية؛ ولو أنهم امتثلوا، وذبحوا بقرة عواناً بين ذلك لحصل المقصود؛ وكان عليهم أن يفعلوا. وإن لم يأمرهم نبيهم به؛ ولكنهم أهل عناد، وتعنت؛ ولهذا أمرهم أمراً ثانياً؛ ومع ذلك قالوا

{قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)}

{ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها} : كل هذا من باب التعنت، والتشدد {ما لونها} يعني أيّ شيء لونها. بيضاء، سوداء ، صفراء

{قال} أي موسى {إنه يقول} أي الله سبحانه وتعالى {إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين} شدد عليهم مرة أخرى في اللون: أولاً حيث قال تعالى: {إنها بقرة صفراء} ، فخرج بهذا ما عدا الصفرة من الألوان. وهذا نوع تضييق؛ ثانياً بكونها: {فاقع لونها} أي شديد الصفرة، العرب عندهم ألفاظ تدل على شدة اللون، فبدل أن يقولوا مثلا أسود شديد السواد، يقولون: أسود حالك أو غِربيب أي شديد السواد، وأحمر قانئ، أي شديدة الحمرة، وأبيض ناصع أو يَقَق، وأحمر ناضر، وأصفر فاقع. ثالثاً شدد عليهم بكونها: {تسر الناظرين} إليها، يعجبهم حسنها وصفاء لونها. يعني ليست صفرتها صفرة توجب الغم؛ أو صفرتها مستكرهة؛ بل هي صفرة تجلب السرور لمن نظر إليها؛ فصار التضييق من ثلاثة أوجه: صفراء، والثاني: فاقع لونها؛ والثالث: تسر الناظرين.

{قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70)}

{قالوا} بنوا إسرائيل {ادع} يا موسى {لنا ربك يبين لنا ما هي} أي من حيث العمل، فهل هي من البقر الذي يحرث الأرض، أم من الذي يسقي الأرض، أم من الذي لا يعمل {إن البقر تشابه علينا} أي اشتبه علينا البقر فلم نعرف المطلوب.

قولهم: {وإنا إن شاء الله لمهتدون} وإنا إن شاء الله إذا بينتها لنا لمهتدون إليها وسنعرف البقرة المرادة، قال بعض السلف: "لو لم يقولوا: {إن شاء الله} لم يهتدوا إليها أبداً".

{قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)}

فأجابهم موسى ودعا الله، فـ{قال} أي موسى {إنه يقول} أي الله عزّ وجلّ {إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض} الذلول المذللة، وتثير الأرض أي تحرث الأرض، والمعنى غير مذللة بحرث الأرض، أي ليست من نوع البقر الذي عمله حرث الأرض، و{لا تسقي الحرث} يعني لا تعمل في سقاية الأرض، فالمعنى إنها ليست مذللة بالحراثة ولا معدة للسقي في الساقية، بل هي مكرمة حسنة، و{مسلمة} أي سالمة من العيوب، لا عيب فيها {لا شية فيها} أي ليس فيها لون يخالف لونها، مأخوذ من وشي الثوب، وهو تلوينه بألوان مختلفة، إذاً هي صفراء ليس فيها سواد، ولا فيها بياض، ولا فيها أي لون آخر.

ولا حاجة بنا إلى ما ذكره كثير من المفسرين من الإسرائيليات من أن هذه البقرة كانت عند رجل بارّ بأمه، وأنهم اشتروها منه بملء جلدها ذهباً؛ وهذا من الإسرائيليات التي لا تصدق، ولا تكذب، فالصواب أن نقول في تفسير الآية ما قال الله عزّ وجلّ، ولا نتعرض للأمور التي ذكرها المفسرون هنا من الحكايات.

قوله تعالى: {قالوا الآن جئت بالحق} أي الواضح البين فقد تبين الأمر لنا بوضوح. وهذا من جهلهم، وإلا فقد جاءهم بالحق أول مرة، فلو أنهم ذبحوا أي بقرة لحصل المقصود، ولكنهم شددوا بكثرة الأسئلة فشدد الله عليهم، ولو لم يقولوا "إن شاء الله "لم يهتدوا أيضا إليها

قوله تعالى: {فذبحوها} أي بعد العثور عليها بأوصافها السابقة {وما كادوا يفعلون} كادوا أن لا يفعلوا، ولم يكن ذلك الذي أرادوا، لأنهم أرادوا أن لا يذبحوها، يعني أنهم مع هذا البيان وهذه الأسئلة والأجوبة والإيضاح ما ذبحوها إلا بعد الجَهد، وفي هذا ذم لهم، وذلك أنه لم يكن غرضهم إلا التعنت، فلهذا ما كادوا يذبحونها.

{وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)}

{وإذ قتلتم نفساً} أي واذكروا يا بني إسرائيل إذ قتلتم نفساً {فادَّارأتم فيها} أي اختلفتم وتدافعتم؛ كل منكم يدافع عن نفسه التهمة، ويتهم الآخر، وكان قد قُتل منهم قتيل من إحدى القبيلتين؛ فادّعت كل واحدة أن الأخرى هي قاتلته؛ وكاد يكون بينهم فتنة؛ فأتوا إلى موسى، فقال لهم: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ... } إلخ..

قوله تعالى: {والله مخرج ما كنتم تكتمون} أي مظهر ما كنتم تخفونه من تعيين القاتل؛ وذلك بالآية العظيمة التي بينها في قوله تعالى:

{فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)}

القائل هو الله عزّ وجلّ؛ ولكن عن طريق الوحي إلى نبيه موسى عليه الصلاة والسلام؛ يعني أن الله تعالى أمر نبيه موسى صلى الله عليه وسلم، فقال لهم بأمر الله: {اضربوه ببعضها} أي اضربوا هذا القتيل ببعض هذه البقرة؛ ولم يعين الله تعالى البعض: أهو الساق؛ أو الفخذ؛ أو الرقبة؛ أو الرأس، أو أيّ جزء من أجزائها، فليس لنا أن نعينه بجزء منها، قال ابن كثير: أي شيء كان من أعضاء هذه البقرة، فالمعجزة حاصلة به، وخرق العادة به كائن، وقد كان معينا في نفس الأمر، فلو كان في تعيينه لنا فائدة تعود علينا في أمر الدين أو الدنيا لبينه الله تعالى لنا، ولكنه أبهمه ولم يجئ من طريق صحيح عن معصوم بيانه، فنحن نبهمه كما أبهمه الله.

{كذلك يحيي الله الموتى} أي مثل إحياء هذا القتيل يحيي الله عزّ وجلّ الموتى بكلمة واحدة.

{ويريكم آياته} أي يظهرها لكم حتى تروها؛ والمراد بـ "الآيات" هنا الآيات الكونية؛ لأنها إحياء ميت بضربه بجزء من أجزاء هذه البقرة.

قوله تعالى: {لعلكم تعقلون} أي لأجل أن تعقلوا عن الله تبارك وتعالى. آياته، وتفهموها.

{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)}

{ثم قست قلوبكم} أي صلبت، وتحجرت؛ {من بعد ذلك} يقول تعالى توبيخا لبني إسرائيل وتقريعا لهم على ما شاهدوه من آيات الله تعالى وإحيائه الموتى: ثم قست قلوبكم من بعد ذلك كله.

{فهي} أي قلوبكم {كالحجارة} أي مثلها فهي كالحجارة التي لا تلين أبدا {أو أشد قسوة} أي من الحجارة؛ لأن الحجارة أقسى شيء.

(أو) هنا ليست للشك؛ قال ابن كثير: اختلف علماء العربية في معنى قوله تعالى: فهي كالحجارة أو أشد قسوة بعد الإجماع على استحالة كونها للشك، فقال بعضهم: أو هاهنا بمعنى الواو، تقديره: فهي كالحجارة وأشد قسوة. وذكر أقوالا أخرى.

وقال ابن عثيمين: لكن اختلف العلماء رحمهم الله، هل هي بمعنى "بل"، فتكون للإضراب؛ فيكون معناها بل هي أشد قسوة من الحجارة، أو إنها لتحقيق ما سبق. أي أنها إن لم تكن أشد من الحجارة فهي مثلها.

ثم بين الله عزّ وجلّ أن الحجارة فيها خير بخلاف قلوب هؤلاء فإنه لا خير فيها؛ فقال تبارك وتعالى: {وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار} يعني إن بعض الحجارة تتفجر منها الأنهار، أي أنهار الماء التي يشرب الناس منها {وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء} وهي دون الأولى؛ الأولى يتفجر منها الأنهار؛ أما هذه فإنها تتشقق، ويخرج منها الماء كالذي يحصل في أحجار الآبار، وما أشبهها، {وإن منها لما يهبط من خشية الله} أي يهبط من رأس الجبل من خشية الله.

فصارت قلوب بني إسرائيل مع طول الأمد قاسية بعيدة عن الموعظة بعد ما شاهدوه من الآيات والمعجزات، فهي في قسوتها كالحجارة التي لا علاج للينها أو أشد قسوة من الحجارة فإن من الحجارة ما يتفجر منها العيون بالأنهار الجارية، ومنها ما يشقق فيخرج منه الماء وإن لم يكن جاريا، ومنها ما يهبط من رأس الجبل من خشية الله.

قوله تعالى: {وما الله بغافل عما تعملون} فنفى سبحانه وتعالى أن يكون غافلاً عما يعملون؛ وذلك لكمال علمه، وإحاطته تبارك وتعالى فهو عالم بأعمالهم حافظ لصغيرها وكبيرها، وسيجازيكم على ذلك أتم الجزاء وأوفاه.

قائمة الخيارات
0 [0 %]
الاربعاء 10 رجب 1441
عدد المشاهدات 2047
عدد التحميلات 68
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق